قال رحمه الله:[فيباح كل طاهر لا مضرة فيه]: الفاء: للتفريع، أو سببية، يتفرع على ما سبق من كون الأصل في الأطعمة أنها حلال، أن نقول ونحكم بأنه يباح كل طاهر لا مضرة فيه، فيباح كل طاهر، و (كل) من صيغ العموم.
قوله:[كل طاهر لا مضرة فيه] هذان الوصفان ما اجتمعا في شيء من الأطعمة إلا كان طيباً: أن يكون طاهراً، وأن يكون لا مضرة فيه، فكل ما جمع هذين الوصفين فإنه الطيب الذي عناه الله عز وجل بقوله:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة:٥٧]، وعتب على من حرم فقال:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:٣٢]، فكل طاهر لا مضرة فيه فإن الله قد طيبه، وهو حلال، هذا الأصل.
قوله:(كل طاهر) هذا اللفظ له مفهوم وهو: أن من أسباب التحريم: عدم الطهارة، أو كون المأكول أو المطعوم ليس بطاهر، أي: إما نجس، أو متنجس؛ لأن المتنجس يأخذ حكم النجس، أو يكون مما فيه ضرر، وسيأتي أنه لا يجوز أكل النجس.
[من حب، وثمر وغيرهما]: قوله: (فيباح كل طاهر لا مضرة فيه) هذا كما قلنا عموم، وهذا العموم يحتاج إلى بيان، ولذلك قال:(من حب، وثمر وغيرهما).
الضرر: ضد النفع، وهو نوعان: إما ضرر ينتهي بالإنسان إلى الموت والهلاك.
وإما ضرر دون ذلك.
فأي طعام اشتمل على فوات الأنفس وهلاك الأرواح فإنه لا يجوز أكله، أو يكون فيه ضرر يتسبب في إتلاف الأعضاء، أو تعطيل منافعها، أو يُحدث للإنسان ضرراً في عقله، أو ضرراً في حاسة من حواسه، أو يشوش عليه، أو يقلقه، أو يزعجه ونحو ذلك، فإنه يحكم بعدم الجواز؛ لأن النصوص في الكتاب والسنة دلت على تحريم إضرار الإنسان بنفسه، ولذلك حرم الله على العبد أن يقتل نفسه، كما قال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء:٢٩]، وقال تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥]، وكل ما فيه ضرر يلقي بالإنسان إلى التهلكة، وقد يُهلك عضواً من أعضائه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله عن تعذيب هذا لنفسه لغني)، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن لنفسك عليك حقاً)، ومن هنا: حرم أكل وشرب الأشياء المضرة، سواءً كانت من الجامدات، أو كانت من المائعات.
قال رحمه الله:[لا مضرة فيه] فلا يجوز أكل السم؛ لأن فيه ضرراً، ولا يجوز أكل ما فيه ضرر على الإنسان في حواسه كما ذكرنا، مثل: الشاة التي فيها مرض، فإنه إذا أكلها انتقل إليه المرض ونحو ذلك، كل هذا لا يجوز، وهو مفرع عن الأصل الذي ذكرناه: أن الأصل لا يكون طيباً إلا إذا كان طاهراً لا مضرة فيه.
قال رحمه الله:[من حب، وثمر وغيرهما]: قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:١٤١]، فأحل الله عز وجل أكل ثمار الأشجار، والزروع، وأباح الانتفاع منها، وكذلك أيضاً دلت الأدلة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم على إباحة أكل الحيوانات من بهيمة الأنعام من الإبل، والبقر، والغنم، وكل هذا داخل تحت العموم، فيباح كل طاهر لا مضرة فيه؛ من حب، وثمر وغيرهما، و (من) هنا بيانية.