[توجيهات لطلبة العلم في التعامل مع الحجاج]
السؤال
بعض الحجاج يستفتي بعض طلبة العلم فما هو الطريق الصحيح لطالب العلم في مثل هذه الحالة؟
الجواب
لاشك أن تعليم الحجاج ودلالتهم على الخير من أعظم الطاعات وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الحجاج ضيوف على الله سبحانه وتعالى، والضيف يكرم ولا يهان يحسن إليه ولا يساء، ومن اتقى الله عز وجل في حجاج بيته فأحسن إليهم أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة، فإن الله وصف الحجاج بأنهم آمون لبيته يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً، وأعظم شيء يطلبه الإنسان رضوان الله عز وجل، ولذلك قال الله عز وجل: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:٧٢]، وهذا الرضا جعله الله فوق الجنة، أي: زيادة على الجنة، كما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله يطلع على أهل الجنة فيقول: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا! وأعطيتنا! وأعطيتنا فيقول الله تعالى: أو لا أزيدكم، أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم أبداً).
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحل علينا رضاه فلا يسخط علينا أبداً، اللهم إنا نسألك الرضا الذي لا تسخط بعده أبداً.
فهذا الضيف الذي وعده الله عز وجل برضوانه وعفوه وغفرانه أن يعتق رقبته، وأن يعظم أجره ومثوبته، حتى أن الله لم يرض له جزاء إلا الجنة، يحتاج إلى تذكير بالله ودلالة على الخير، فإذا كان المسلم يستشعر أن الحاج ضيف على الله بهذه العبادة فليعلم أن أكمل ما تكون عليه العبادة هو العلم الشرعي المقرون بالعمل، ولا يمكن أن يكون حاجاً على أتم الحج وأكمله إلا إذا كان عالماً بالسنة ومطبقاً لها، ولا يمكن أن يتعلم إلا إذا وفقه الله عز وجل لمن كان على بصيرة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة؛ فعلمه وأفتاه وبين له الحق.
أوصي طلاب العلم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يعلموا أن على أعناقهم ورقابهم أمانة وهي أمانة العلم، فتبليغ العلم أمانة، والله خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات بأداء هذه الأمانة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧] فأمره أن يبلغ، وحتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحس أن هذا البلاغ حتم عليه وواجب، وأنه أمر عظيم ثقيل، وقف عليه الصلاة والسلام أمام الأمة في يوم حجة الوداع في يوم عرفة، وكان أول ما استفتح به عليه الصلاة والسلام أن قال: (أيها الناس! اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا أبداً، ثم قال: أيها الناس! إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
فقال: اللهم فاشهد! اللهم فاشهد! اللهم فاشهد).
هذا يدل على أن تبليغ العلم ودلالة الناس على الله عز وجل والقيام بهذا الواجب العظيم فريضة على كل من استبان له هذا الصراط المستقيم أن يدل الناس عليه، فالواجب أن تنظروا إلى الحجاج أنهم بحاجة إلى هذا العلم فتأخذوا بمجامع قلوبهم إلى الله، وأعظم ما تقدمونه لهم: صلاح دينهم وإيمانهم بالله عز وجل، وسلامة عقيدتهم بالإخلاص لله جل جلاله الذي من أجله كان الحج والعمرة، وشرائع الإسلام، وهو التوحيد الخالص والإيمان الكامل، ودلالتهم على صلتهم بالله عز وجل في الدعاء والاستغاثة والرجاء والذبح وغير ذلك من مسائل العقيدة المهمة التي عليها مدار الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، بل عليها قبول الأعمال وردها، بل من أجلها أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، وأول أمر في كتاب الله أمر الله به خلقه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١]، وأول نهي في كتاب الله عز وجل نهى عنه خلقه: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢]، فالواجب على طلاب العلم أن يبدأوا بهذا الأساس العظيم الذي عليه صلاح الدين والدنيا والآخرة واستقامة الأمور كلها.
أما الأمر الثاني الذي يجب على طلاب العلم أن ينتبهوا له: تعليم الناس هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلمونهم السنة وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحج، وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمر، وماذا كان يفعل، وماذا كان يقول، فهذا من أعظم ما يكون فيه الخير والبر: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها) هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله) النضارة: الحسن والنور في الوجه، فأهل السنة وجوههم مشرقة في الدنيا والآخرة.
فلا يزال طالب العلم في نور ورحمة يخوض غمار رحمات الله عز وجل، ومن هنا يبارك الله لطالب العلم في علمه حين يعلم الناس ويحرص على دلالتهم على الخير، وإذا جئت تحج تنظر عن يمينك وشمالك من الذي يحتاج إلى فتوجيه فتوجهه ولكن بالتي هي أحسن، فتنظرون إلى كبيرهم كأب ووالد تقدرونه وتجلونه، وتنظرون إلى من في سنكم أنه أخ لكم في لا إله إلا الله وبينكم وبينه وشائج الإسلام، وتنظرون إلى من هو صغير أنه مثل فلذات الكبد عزيز عليكم تنزلونه المنزل اللائق به، وتفعلون ذلك لله وفي الله وابتغاء مرضات الله.
لا تنظروا إلى لون ولا جنس ولا مصر ولا قطر ولا طائفة، ولكن انظروا إلى شيء واحد وهو الأخوة في الإسلام، وكونهم إخوة لكم في هذا الدين تحبونهم في الله، ولتعلموا أنهم ضيوف عليكم، والله يعلم أنهم ضيوف عليكم وأنهم يحبونكم في هذا الدين، وأنهم قد استودعوا صدورهم حسن الظن بكم، ولنسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم فوق ما يظن بكم من خير، والله أنعم على هذه البلاد نعمة عظيمة، فإن الناس يأتون هذا البيت ويزورونه فيخرجون بالمشاعر الطيبة، يخرجون وقد رأوا شعائر الإسلام وأخوة الإسلام، ورأوا أمة تقوم بصلاتها وزكاتها وعبادتها والتآلف فيما بينها، فهذا لا شك أنه نعمة عظيمة، يرون الإسلام أمام أعينهم بكم أنتم إذا وفقكم الله لتطبيقه والقيام بحقوقه والالتزام بفرائضه وأداء ما أوجب الله عليكم تجاه إخوانكم، فأحسنوا بهم الظنون، وأحسنوا إكرامهم، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا وإياكم على ذلك الخير والبر، والله تعالى أعلم.