للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة ولا تستطيع البقاء]

السؤال

امرأة حاضت قبل طواف الإفاضة وهي لا تستطيع البقاء حتى الطهر، فهل يجوز لها الطواف وهي على هذه الحال؛ لأنه قد يترتب على تأخرها ضرر، أثابكم الله?

الجواب

الذي أعرف في دين الله وشرع الله: أن المرأة لا تطوف وهي حائض، وفي هذا أحاديث واضحة صحيحة صريحة مما اتفق عليها الشيخان، هذا رسول الأمة صلى الله عليه وسلم يقول: (عقرى حلقى! أحابستنا هي؟)، يقول العلماء في شرح الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة: (أحابستنا) ما قال: أحابستني، قالوا: لأنه لو لم تطف طواف الإفاضة لتأخر النبي صلى الله عليه وسلم من أجلها، وهذا يثبت أنه سيتأخر، وإذا تأخر تأخر المسلمون معه، فقال: (أحابستنا هي؟ ثم قال: ألم تكن طافت يوم النحر؟ قالوا: نعم.

قال: فلا إذاً)، معناه: أنه لو لم تكن طافت يوم النحر للزمنا أن نبقى حتى تطهر، فأيهما أهون أن تتأخر امرأة من أجل حجز في طائرة، أو مائة ألف من الصحابة يحبسون؟ هذا دين وشرع، وهذا ركن من أركان العبادة، فليس هناك طواف أجمع العلماء على ركنيته في الحج إلا طواف الإفاضة: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩]، وما هذا إلا لعظم أمره وعظم شأنه.

لو أن هذه المرأة حصل عندها خطأ بسيط في اسمها وجوازها لتأخرت وقعدت ولو قعد معها مليون شخص، وهذا في حكم البشر فكيف بحكم رب الجنة والناس؟ هذا دين وشرع، فإذاً لابد أن تبقى حتى تطهر، ولا تدخل بيت الله؛ لأن الله منع منه الحائض، قال صلى الله عليه وسلم: (اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت).

ثانياً: عائشة رضي الله عنها وأرضاها جاءت بعمرة نسك قصدت به البيت، والله يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦]، وجاءها الحيض بسرف -كما في الرواية الصحيحة- قبل الحج، فهي لا تستطيع أن تؤدي عمرتها قبل الحج، فانقلب نسكها من نسك إلى نسك كله من أجل أن لا تدخل البيت؛ تعظيماً لهذا البيت.

فلو قالوا: تلبس حفاظة وتذهب تطوف، فنقول: أعطونا دليلاً من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم! لسنا نحن الذين نرخص ما دام أن الشرع شدد في هذا، وهذا ليس بتشديد، كل من أفتى بفتوى له دليل من أدلة كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو المشدد، ومن وصفه بالتشديد فقد جار وظلم؛ لأنه من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وليأتين على الناس زمان تصبح الواجبات أشبه بالسنن، وليأتين على الناس زمان لا يعرفون واجباً ولا يعرفون سنة! فهذا من غربة الشرع والدين.

تجد أنك إذا جئت قلت لها: تتأخر، قالوا: هذا والله تشدد، وهذا والله التضييق على الناس، وهذا خلاف شرع الله، الدين يسر ورحمة، جاء بها من آلاف الكيلومترات من أجل أن تحج، هذا يسر: (عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) نحن نيسر إذا يسر الله سبحانه وتعالى، أما ديننا وأركان شريعتنا وواجباتها وفرائضها فنبقيها كما أبقاها النص، لا نتقدم ولا نتأخر، سواء أرضي الناس أو كرهوا، المهم عندنا حكم الشرع، قال: (أحابستنا هي -ثم يدعو ويقول:- عقرى عقرها الله، وحلقى حلقها الله)، بمعنى: أن تأتيها مصيبة، ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم هذا؛ لأنه إذا دعا، قال: (أيما مسلم دعوت عليه أو سببته فاجعلها له رحمة)، فهذا من مناقب أم المؤمنين أنها عادت عليها رحمة، لكن انظر كيف النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الكلمة تعظيماً للأمر، مع أن العذر ليس بيدها.

فالمقصود نقول: تتأخر، فإذا كان لا يمكنها التأخر لها أن تسافر، ولكن لا يقربها زوجها وترجع وتؤدي فرض الله كما أوجب الله عليها، فتطوف بالبيت معظمة لشعائر الله عز وجل وهي طاهرة، أما أن نقول: تلبس حفاظة تتلجم من عنده دليل فليأتنا به، أما أن نوسع للناس أمراً ضيقه الله، أو نضيق على الناس أمراً وسعه الله فلا، الذي عندنا من النص أنه لا يجوز لها أن تطوف ببيت الله ولا أن تدخل بيت الله وهي حائض، هذا نص واضح، فينبغي أن نلتزم به.

فالذي ظهر لي: أنه يجب عليها أن تبقى حتى تطوف طواف الإفاضة، إما إن كان هناك عليها ضرر وتريد أن تسافر فلتسافر، وأجمع العلماء على أنه لو صدر الحاج قبل أن يطوف طواف الإفاضة أنه عليه الرجوع من أجل أن يطوف طواف الإفاضة ويلزمه ما يلزم من التحلل الأصغر، ولم يتم التحلل، فتمتنع من الموانع التي منها: الجماع، والمباشرة، وعقد النكاح، ومقدمات الوطء ودواعيه، واختلف في قتل الصيد: هل يبقى محظوراً على الطواف أو لا؟ على وجهين مشهورين للعلماء رحمهم الله، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>