أما بالنسبة لعقوبة الجلد فقد نص الله عز وجل عليها في كتابه، ونص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح من سنته، وأجمع عليها العلماء رحمهم الله سلفاً وخلفاً.
فأما دليل الكتاب: فإن الله عز وجل يقول: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور:٢]، وهذه الآية الكريمة -كما يقول علماء الأصول- نص في وجوب الجلد على الزاني، وإذا قيل: إن الآية نص أو الحديث نص؛ فهذا أقوى أنواع الدلالة؛ لأن الدلالة على مراتب أعلاها وأقواها -كما بيّنا غير مرة- هو النص، والنص هو: الذي لا يحتمل معنى غيره، مثل:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] ما فيها احتمال، ولا تتردد بين معنيين فأكثر، فالآية المذكورة نص في ثبوت حد الجلد مائة جلدة على من زنى، والقاعدة عند علماء الأصول: أن الحكم إذا جاء مرتباً على وصف مشتق دلّ على أن ما اشتق منه ذلك الاسم أو الوصف هو علة الحكم، فالله عز وجل يقول:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢]، جاء الحكم في قوله:(فاجلدوا) مرتباً على اسم مشتق وهو اسم الفاعل: (الزانية والزاني) فدل على أن ما اشتق منه ذلك الاسم وهو الزنا علة الحكم، فكأن الله يقول: أمرتكم بجلدهما من أجل الزنا، وعلى هذا فإن الآية الكريمة نص على ثبوت هذا الحد.
أيضاً الآية نص من وجه آخر وهو: أن الله جعل الحد مائة جلدة، والإجماع على أنه لا يزاد عليها ولا ينقص منها؛ لأن الله يقول:{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢]، وعند العلماء لفظة (المائة) لا تحتمل معنى آخر، فالحكم نص، والعقوبة التي تضمنها ذلك الحكم نص أيضاً.
وفي الصحيحين في قصة العسيف -وهو الأجير- الذي زنى بامرأة صاحب الغنم، فلما ترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما- قال صلى الله عليه وسلم:(إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام -الذي هو البكر-، وعلى امرأة هذا الرجم، واغد -يا أنيس - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها)، فهذا يدل على أن الجلد من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث عبادة في الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام).
فثبت نص الكتاب والسنة على عقوبة الجلد، وأجمع العلماء سلفاً وخلفاً على أن الزاني غير المحصن الحر يجلد مائة جلدة، هذه هي العقوبة الأولى.