للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى النشوز وبطلان تسوية المرأة بالرجل]

قال رحمه الله: [أو نشزت] الناشز في لغة العرب: المرتفع من الأرض، والنشوز تقدم أن معناه أن المرأة تتعالى على زوجها، ومن حكمة الله عز وجل أنه فضل الرجل على المرأة وهو الحكيم العليم، وجعل المرأة تبعاً للرجل، وهذا بنص كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، يرضى من يرضى ويسخط من يسخط، فهذا دين الله وشرعه، لا يسع إلا الرضا والتسليم، كرم الله آدم وخلق الزوجة منه، ولم يجعلها خلقاً مستقلاً، فقد خلقها من ضلع، وبين أن خلق المرأة من أجل الرجل فقال: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:١٨٩] فالأصل في التكريم للرجل، وأنه هو الذي يقوم على المرأة، والمرأة تبع له.

ولذلك فقضية أن المرأة مثل الرجل سواء بسواء من كل وجه، باطلة، لأن الله يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:٣٦] وبين سبحانه وتعالى أن هناك فرقاً في الخلقة والفطرة: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:١٨] وجعل شهادة الرجل ضعف شهادة المرأة، وجعل من الحقوق للرجال ما لم يجعله للنساء، وهذا حكم الله عز وجل، كما لو خلق الإنسان على خلقة تامة وخلق غيره على خلقة ناقصة، ما يستطيع أحد أن يعترض على حكم الله عز وجل وفطرته التي فطر الناس عليها، وما من أحد يخرج عن هذه الفطرة إلا تنكد عيشه، وتنغصت حياته، ولذلك جعل الله المرأة تحت الرجل، ما جعلها ناشزاً وما جعلها مساوية للرجل تساويه من كل وجه.

فالنصوص من الكتاب والسنة واضحة في هذا جلية، ولا يخلط الحق بالباطل، ولا يلبّس الحق بالباطل، ومن رجع إلى نصوص الكتاب والسنة، يجد هذا واضحاً منها، ومن هدي السلف الصالح رحمهم الله من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

ولذلك جعل الله الأمور العامة والولايات العامة للرجال؛ لأنهم في خلقتهم وفطرة الله عز وجل التي فطرهم عليها أقدر على ذلك، وتحميل المرأة ما لا تطيق خروج عن الفطرة.

ولذلك الذي ينادي بحقوق المرأة ينبغي أن يرجع للإسلام الذي أعطى كل ذي حق حقه، وأن يرجع إلى حكم الخالق الذي هو أعلم بخلقه، وأحكم في صنعه سبحانه وتعالى، وليس للأهواء ولا النظر، بل إن المرأة المنصفة العاقلة إذا قرأت شرع الله عز وجل في كتابه وسنة رسوله وجدت أنها لن تستطيع أن تزيد خردلة على ما أعطاها ربها، ولن يزيدها أحد مثقال خردلة عما أعطاها ربها سبحانه وتعالى.

فالله جل وعلا جعل المرأة تحت الرجل، تسمع له وتطيع، وجعل القوامة للرجل فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤] هذه فطرة الله عز وجل، فإذا أصبحت المرأة تساوي الرجل، خرجت عن الفطرة، وإذا أصبحت تسترجل على الرجل، وتريد أن تنشز وتتعالى على الرجل، خرجت عن الفطرة، وعصت الله عز وجل واعتدت حدوده، وأي مجتمع تكون فيه المرأة وراء الرجل تعينه وتشد من أزره وتسمع لأمره وتطيع، تجدها فيه في أمن وأمان وسعادة ورخاء.

وهذه الأمة قادت العالم من المحيط إلى المحيط، وكان النساء تبعاً للرجال، ومع ذلك ما جاء النساء يطالبن بشيء أكثر مما أعطاهن الله جل جلاله، واستقامت أمور الأمة واستقام حالها واستقام أمرها، هذه فطرة الله عز وجل، ولا يستطيع أحد أن يغير شرع الله عز وجل، ولذلك فأمور الإسلام واضحة، ولا يحتاج أحد إلى أن يلبس الحق بالباطل، ولذلك تجد من يغير هذا الحكم يتلقف أموراً ضائعة من هنا وهناك لكي يلفق له مذهبه أو قوله، ويترك النصوص الواضحة الجلية المسفرة البينة.

عائشة رضي الله عنها لما جاءت إلى علي في وقعة الجمل، قال لها: (ما الذي أخرج هذه من بيتها، أفلم تسمع لربها: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣]؟) مع أنها جاءت للصلح بينه وبين إخوانه رضي الله عنهم جميعاً، واحتج عليها بكتاب الله عز وجل وهي أم المؤمنين الفقيهة العالمة، ويقول لها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (أيتكن تنبحها كلاب الحوأب) خرجت رضي الله عنها، فلما كانت في الطريق نبحت الكلاب -وهذا في صحيح مسلم- في وادٍ، فسألت عنه فقالوا: (هذا وادي الحوأب) عتبى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كله يدل على أن المرأة لا يمكن أن تساوي الرجل من كل وجه، والنصوص في هذا واضحة.

فالنشوز أن تخرج المرأة عن هذه الفطرة، وتريد أن تكون مثل الرجل سواء بسواء، يأمر وهي تأمر، وينهى وهي تنهى، يكون الولد -مثلاً- قد أمره والده بشيء فتأتيه وتأمره بخلافه، هذا نشوز في حق الأولاد، ونشوز في التربية، إلا إذا كان الذي تأمره به طاعة الله عز وجل والزوج يأمر بمعصية الله، فهذا أمر آخر، وإنما نحن نتكلم عن الأصول، حتى ولو أمر الرجل والزوج بشيء يغلب على ظنه أن فيه المصلحة فعلى المرأة أن تسلم، وأن تنظر أن اعتراضها عليه ربما يحدث مفسدة أكثر من المصلحة التي تريدها من ذلك الاعتراض.

ولذلك تجد بعض النساء العاقلات الحكيمات الفاضلات؛ تسلم لزوجها في كثير من الأمور مع أن بعضها قد يكون مرجوحاً، لكن يجعل الله من البركة والخير في هذا الذي اختاره زوجها، كل ذلك بتقوى الله سبحانه وتعالى، لأنها اتقت الله عز وجل، وكم من أمور تراها ربما تكون مفضولة، كلنا شاهد هذا وكلنا عاش مع كبار السن ورأى أموراً قد يكون في ظاهرها القسوة، لكنها كانت في عواقبها كأحسن ما يكون.

واليوم أخرجت بنت الإسلام عن هذه الفطرة وعلمت كيف تتمرد على الوالد، وكيف تتمرد على الزوج، وكيف تتمرد على مجتمعها، كان الوالد يأمرها بالزواج من الرجل الكبير الذي ربما هي لا ترضاه، ولكن تسلم لأبيها وتذعن له، فيخرج الله من صلبه من الذرية الصالحة، ويجعل الله سعادتها مع ذلك الرجل الكريم من إكرامها والإحسان إليها وتجد ما لم يخطر لها على بال، بيد أنها ربما ترد قول أبيها وتتزوج الشاب الذي يدمر حياتها وينغص عيشها، وهذا كله أمر مضت عليه الفطرة ومضت عليه الأمة.

ونحن أمة واضحة نصوصها ومعانيها لا تحتاج إلى أحد أن يدخل عليها شيئاً من الدخن في دينها، فإذا استرجلت المرأة ونشزت لم تستحق النفقة، وهي إما أن تنشز في القول، أو تنشز في الفعل، تنشز في القول وذلك إذا عارضت الرجل، ورفعت صوتها عليه، وصرخت في وجهه، وتنشز بالفعل مثل أن يأمرها بشيء، فتعطيه ظهرها، أو تلوي بوجهها، أو تحدث حركات غريبة تدل على عدم محبتها، وإعراضها عن الزوج، وكل هذا من النشوز.

وذكرنا أمثلة حينما تكلمنا على النشوز وأحكامه، منها مثلاً: إذا دعاها إلى الفراش فامتنعت، أو خرجت من البيت بدون إذنه؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (إذا استأذنت امرأة أحدكم المسجد) الله أكبر! حتى إلى الصلاة لا تخرج إلا بإذن زوجها،: (إذا استأذنت امرأة أحدكم المسجد فليأذن لها) فجعل خروجها مرتبطاً بإذن الزوج فيما هو من أمور الدين، فما بالك بأمور الدنيا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>