بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أكره مكلفاً على قتل مكافئه فقتله فالقتل أو الدية عليهما].
تقدم في المجلس الماضي استفتاح المصنف رحمه الله لهذا الفصل بحكم قتل الجماعة للواحد، وبناءً على ذلك فسينصب كلام الإمام رحمه الله في هذا الموضع على القتل بالاشتراك، وهو يأتي على صور: منها ما ذكرناه سابقاً أن تشترك جماعة في قتل معصوم الدم فيقتلونه، ويكون فعل كل واحد منهما مفضياً إلى القتل، وقد بينا حكم ذلك.
لكن هناك اشتراك من نوعٍ ثانٍ، وهو اشتراك السببية والمباشرة، بحيث يشترك اثنان في القتل على سبيل الإكراه، وقد تقدم معنا في كتاب النكاح -حينما بينا أحكام الطلاق- حكم طلاق المكره، وبينا حقيقة الإكراه لغة واصطلاحاً، وأن الشريعة الإسلامية أعطت هذا النوع من الأمور حكماً خاصاً، لكنه هنا في باب القتل لا رخصة فيه، مع أن الأصل أن المكره معذور بحكم الإكراه، ولكن في باب القتل إذا أكره على قتل معصوم؛ فإنه يُقتص من المُكرِه والمُكرَه معاً، فبين المصنف رحمه الله أن القصاص واجب على الاثنين: على الشخص الذي أكرَه، وعلى الشخص الذي أُكرِه فقتل؛ والسبب في ذلك: أن الذي أكرِه على القتل نجى نفسه بقتل أخيه المسلم، وحينئذٍ يكون كمن قتل غيره ليأكله وينجو.