أن عقد الجُعالة كما سبق وأن ذكرنا في أول كتاب البيوع، عندما ذكرنا أنواع العقود اللازمة وغير اللازمة، أن عقد الجعالة من العقود الجائزة في أول الحال، اللازمة في آخر الحال، أي: هو جائز ويئول إلى اللزوم.
وبناءً على ذلك لو قال له: تسابقني على مائة، أو نتسابق على ألف، فالألف جُعل، فإذا قلت إنها جُعالة في ابتداء العقد لو قال: قبلت.
ثم بعد دقيقة قال: رجعت، فمن حقه؛ لأنها ليست بلازمة إلا إذا دخل في المسابقة.
فلا تلزم إلا إذا حصل السبق، فإذا دخل في المسابقة -أيضاً على هذا القول الذي اختاره المصنف- فلا تلزم إلا إذا سبقه، فإذا سبق أحدهما الآخر، وجاء الآخر يريد أن يرجع، فليس من حقه، ولزمه ما اتفقا عليه، فلو قال أثناء المنافسة: أنا رجعتُ، قبل أن يسبقه، كان له حق الرجوع.
فإذاً تكون جائزة ما لم يسبق أحدهما الآخر، فإذا تقدم أحدهما على الآخر لزمته وصارت مستحقة، وهذا إذا كانا مع بعضهما، وكان الجُعل من أحدهما.
أما لو دخل المحلل بينهما، فقال بعض العلماء: تصير لازمة بدخول المحلل؛ لأنه طرف أجنبي التزم له، وقال بعض العلماء: تبقى جُعالة؛ لأن الجُعل أيضاً للمحلل كما هو لواحد منهما.
وهذا القول طبعاً في المذهب على أنها جُعالة سواء أدخل المحلل أم لم يدخل، وهذا من حيث الأصل، لكن قال بعض العلماء من مذهب المالكية وطائفة: عقد المسابقة من حيث الأصل لازم من أول الحال، ويرون أن الاثنين إذا اتفقا على المسابقة وقال الأول: نستبق على كذا وكذا، وقال الآخر: قبلت.
لزمه الوفاء بما اتفقا عليه؛ لعموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:١] فيرون أنها عقد لازم من أول الحال وثاني الحال، وليس من حقه الرجوع.