[حكم قضاء الفريضة في وقت النهي]
لو أنك نمت عن صلاة الفجر، واستيقظت فتوضأت ثم صليت فأوقعت ركعة قبل الطلوع، ثم أثناء أدائك للركعة الثانية طلعت عليك الشمس، فهل تتم الصلاة، أو تقطعها؟ في هذا قولان للعلماء: فمذهب جمهور العلماء أن النهي لا يشمل الفرائض، وأن الفريضة مستثناة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إدراكك للركعة قبل الطلوع يوجب إدراكك لصلاة الصبح، وكذلك إدراكك لها قبل الغروب يوجب الحكم بكونك مدركاً للعصر، وهذا لا يتّأتى إلا إذا أتممت الصلاة؛ لأنك لو قطعتها لكنت كمن أداها بعد الطلوع وبعد الغروب.
وبناءً على هذا الحديث الصحيح ثبت أن من طلعت عليه الشمس أثناء أدائه لصلاةٍ مفروضة فإنه يتم الصلاة ولا يقطعها.
وذهب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه إلى أنه إذا طلعت عليك الشمس وأنت في صلاة الصبح، أو غربت عليك وأنت في صلاة العصر، أو في غيرهما من الفرائض فإنك تقطع الصلاة لظاهر الحديث الذي تقدم: (لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس).
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ فإن الحديث نصٌ في موضع النزاع، وهو دال على أن من أدرك الركعة قبل الطلوع فقد أدرك الصبح، ومن أدركها قبل الغروب فقد أدرك العصر.
وهنا أيضاً مسألة ثانية في قوله رحمه الله: [وأوقات النهي] حيث تقيد بالنافلة ولا تشمل الفرائض، والنوافل على قسمين: نافلة لها سبب، ونافلة لا سبب لها، ثم النافلة ذات السبب على صور، وسيأتي إن شاء الله الكلام على أحوال الأسباب المتقدمة والمصاحبة والمتراخية.
من العلماء من يقول: إن النهي يتبدئ من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.
ومنهم من يقول: من طلوع الفجر الثاني.
والفرق بين القولين يظهر في مسألة خلافية، وهي: لو أذن أذان الصبح هل يجوز لك أن تتنفل غير راتبة الصبح؟ فذهبت طائفة من العلماء إلى أنه لا يصلي الإنسان بعد أذان الصبح إلا راتبة الصبح، حتى قالوا: إذا دخل المسجد فإنه ينوي تحية المسجد تحت راتبة الصبح.
كل ذلك تشديدٌ لمنع غير الراتبة بين الأذان والإقامة في الصبح، وهذا فيه الحديث الصحيح: (لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتي الفجر)، قالوا: إنه يحمل على هذا.
وبناءً على ذلك قالوا: إنه لا يصلي بعد أذان الصبح إلا راتبة الفجر، وأما غيرها فلا يصليها.
وذهب الجمهور إلى أنه يجوز للإنسان أن يصلي بعد أذان الفجر بين الأذان والإقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا صليت العشاء فصلّ فإن الصلاة حاضرة مشهودة حتى تصلي الصبح، فإذا صليت الصبح فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس) الحديث، وهو حديث صحيح، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للصحابي أن يتنفل بعد العشاء ما لم يصلّ الفجر، فدل على أن ما بين الأذان والإقامة من الفجر وقت نافلة.
أما الذين قالوا: إنه لا يتنفل فقد احتجوا بالحديث الذي فيه النهي، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر -التي هي الرغيبة- ثم اضطجع ولم يصلّ، فدل على أنه ليس بوقت نافلة.
لكن أجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متهجداً، وأراد أن يتقوى على الفريضة؛ لأن تهجده عليه الصلاة والسلام كان طويلاً حتى تفطرت قدماه فيه، فكان يصلي بالبقرة وآل عمران والنساء في ركعةٍ واحدة، فهذا يأخذ من الجهد شيئاً كثيراً، ويحتاج بعد الأذان أن يستجم حتى يقوى على الصلاة، خاصة أنه كان يقرأ في صلاة الصبح -كما في حديث أبي برزة في الصحيح- من الستين إلى المائة آية، فاضطجاعه بين الأذان والإقامة ليس لتحريم الصلاة، وإنما ليتقوى على صلاة الفجر.
فالذي يترجح أنه لا حرج في إيقاع النوافل بين الأذان والإقامة؛ لأن الأصل جواز ذلك، وأما حديث: (لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتي الفجر) فالمراد بذلك على أحد الوجهين أنه يقضي رغيبة الفجر بعد صلاة الصبح، وفي ذلك أحاديث أخرى صحيحة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص في استثناء ركعتي الرغيبة بعد صلاة الصبح.