وهذه العبارة تدل على مشروعية الحداد أولاً، والحداد المشروع: هو حداد المرأة المتوفى عنها زوجها، وأما محدثات الجاهلية في الإحداد مما يحدثه الناس سواء كان ذلك على مستوى الأمم والشعوب أو الجماعات فهذا مما لا أصل له في دين الله، ولا في شرع الله عز وجل، فليس هناك حداد إلا الحداد الذي سمى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يشرع حداد غير هذا الحداد الذي ورد النص به في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الحداد يكون للنساء ولا يكون للرجال، ولا يكون بين أفراد الرجال، حتى لا تعطل المصالح اليومية، هذا كله مما يحدثه الناس بخلاف شرع الله عز وجل، ولا يمكن أن يعد ذلك من دين الله في شيء؛ لأنه لم يثبت به شرع ولم يثبت به نص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة إذا أصبح أمراً ظاهراً، فإن الواجب تبيين حكمه إعذاراً إلى الله سبحانه وتعالى، وأن هذا مما أحدثه الناس، ومما لا أصل له في دين الله وشرعه.
والحداد يشرع للمرأة إذا كان قد توفي عنها زوجها، أو توفي قريبها إذا كانت مدة الحداد عليه المدة التي ذكرناها وهي الثلاثة الأيام.
قوله:(يلزم) أولاً يدل على مشروعية الحداد كما ذكرنا.
وثانياً: أن هذه المشروعية على سبيل الوجوب، فالمرأة يجب عليها الحداد، وهذا بإجماع السلف والخلف رحمهم الله، خلافاً للحسن البصري والأوزاعي رحمة الله عليهما، فهذان العالمان الجليلان قالا بعدم وجوب الإحداد، والصحيح ما ذهب إليه أئمة السلف ودواوين العلم، ولكن لعل الإمام البصري والأوزاعي لم يبلغهما ما ورد صريحاً في السنة من الأمر بالحداد، فقد يكونا قد قالا بمشروعيته لظاهر القرآن:(يتربصن) دون أن يفهما منه اللزوم، ولكن السنة أمرت وألزمت بالحداد وأوجبته، فالواجب العمل بهذه السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك أيضاً في قوله:(يلزم الحداد) الحداد هو: اجتناب المرأة التي توفي عنها زوجها الطيب وزينة اللباس وما في حكمهما مدة معلومة، وبناء على ذلك فحقيقته الشرعية: اجتناب مخصوص -وهو اجتناب الطيب، ومحاسن الثياب والحلي، والزينة في البدن وفي الملبس- من شخص مخصوص -والمراد به: المرأة التي توفي عنها زوجها، فلا يشمل غيرها كما سيأتي إن شاء الله- مدة مخصوصة.
وهي أربعة أشهر وعشرة أيام على ما بينته السنة إلا إذا كانت حاملاً، فالمدة هي إلى وضع الحمل، فلو أنها بعد وفاة زوجها بدقيقة واحدة وضعت حملها خرجت من عدتها؛ وذلك لصريح حديث سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها:(أنها توفي عنها سعد بن خولة وهو بمكة رضي الله عنه وأرضاه، فمكثت بعده -قيل: عشرة أيام، وقيل: ثمانية أيام، وقيل غير ذلك- فوضعت ما في بطنها، فتجملت وتزينت، فدخل عليها خالها، وقال لها: لا والله ما أنت بحل للأزواج حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فجمعت علي ثيابي، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأخبرني أني قد حللت منذ أن وضعت ما في بطني)، فهذا نص واضح يدل على أن مدة الحداد تكون أربعة أشهر وعشراً على الأصل بنص كتاب الله:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:٢٣٤]، وكذلك حديث أم سلمة في الصحيحين:(تحد المرأة على ميتٍ أربعة أشهر وعشراً) فهذا يدل على أن المدة إما أربعة أشهر وعشراً على الأصل، أو إلى وضع الحمل ولو طالت مدته على حديث سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها وأرضاها.