[وجوب إخراج الزكاة في وقتها]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب إخراج الزكاة].
أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بصفة إخراج الزكاة الواجبة، وذلك أن إخراج الزكاة، فيه بعض المسائل التي تتعلق بالمُخرج، وكذلك بالنسبة لمن يُعطى الزكاة، فناسب أن يُفردها رحمه الله بهذا الباب.
[ويجب على الفور].
أي: ويجب إخراج الزكاة على الفور، والفور: ضد التراخي، ومعنى هذه العبارة: أن المسلم إذا أوجب الله عليه زكاة ماله؛ فإنه يجب عليه أن يخرج الزكاة في وقتها، كما قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١]، فلذلك يجب عليه أن يبادر، وأن يمتثل أمر الله عز وجل، فيُخرج الزكاة فوراً ولا يتأخر، قال العلماء: الأصل في الأمر أنه يقتضي الفور، إلا إذا دل الدليل على التراخي، فإنه إذا قال السيد لعبده: قم، فتأخر في القيام ساعة استحق أن يعاقبه، قالوا: فهذا يدل على أن صيغة (افعل) تقتضي الفورية، ولذلك نص الأصوليون على وجوب المبادرة بفعل الأوامر، وأنه لا يجوز التأخر إلا إذا أذن الشرع بالتأخير والتراخي.
فمثلاً: إذا زالت الشمس توجه الخطاب بصلاة الظهر، ووجب على المسلم أن يصلي أربع ركعات، ولكن الأمر فيه شيءٌ من التراخي؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما بين هذين وقت) فجعله مخيراً، وهذا يدل على أنه يجوز له أن يتأخر، إلا إذا كانت هناك جماعة ونادى المنادي، فيجب عليه السعي إليها.
فالشاهد: أن الأوامر ينبغي أن يبادر المكلف بفعلها، والزكاة من جنس الواجبات والفروض التي أمر الله، فلا يجوز له أن يؤخرها؛ ولأنه إذا أخَّرها أضر بالفقراء والضعفاء والمساكين، ومن هنا تتفرع مسائل: منها: أن بعض الوكلاء يأخذون الزكاة بقصد إعطائها للفقراء والمساكين، فتمكث الزكاة عندهم بالأيام، بل بالأسابيع، بل بالشهور، وقد تتأخر إلى سنة كاملة، وهذا من الظلم وصاحبه آثم، والسبب في ذلك: أن من أخذ الزكاة يريد إنفاقها، فينبغي عليه أن يكون على بصيرة بالمستحقين، ويكون عنده ديوان أو كتاب يحدد فيه الأشخاص الذين يريد أن يصرف الزكاة إليهم، فإن كان الأشخاص المسجلون عنده يبلغون -مثلاً- خمسة أشخاص وتجزيهم الخمسة آلاف، فلا يجوز له أن يأخذ عشرة آلاف ويعطل ما تبقى منها حتى يبحث عن مستحق، بل يأخذ بقدر ما يعلم من الفقراء والضعفاء.
وهذه المسألة يخلط فيها الكثير، وتضيع بسببها حقوق، وقد يبقى الضعفاء والفقراء محرومون من أموال كثيرة مجمدة، وهذا لا يجوز، بل ينبغي على الإنسان إذا توكّل بالزكاة أن يأخذ بيد وأن يعطي بأخرى، مبادرة للامتثال بأمر الله عز وجل، ولا يجوز التأخير إلا في حدود ضيقة، وكان بعض العلماء والفضلاء من مشايخنا رحمة الله عليهم ممن أدركناهم لا يستطيع أن ينام أحدهم ليلته وعنده شيء من الزكاة، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في قصة الدينارين أنه تخطّى الرقاب بعد صلاة الفجر مهموماً مغموماً، وقال: (ما ظني لو أني مت وعندي هذان الديناران؟!)، فهذا يدل على عظم أمر الزكاة، وكون الإنسان يأخذ العشرة آلاف والعشرين الألف ويجمدها في رصيده أو يضعها في بيته، والفقراء يكتوون بالجوع، والمديونون والمعسرون يُهانون ويُذلُّون بذل الدين وهوانه، فإن الله سيحاسبهم على ذلك كله، ولا يجوز له أن يفعل ذلك، بل ينبغي أن يتشدد في هذا الأمر على نفسه، ولا يأخذ الزكاة إلا وقد علم بأهلها، وإن استطاع أن لا يبيت وعنده شيءٌ منها، فذلك هو الحسن والأكمل، أما ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من كونه أعطى الصدقة لـ أبي هريرة ليحفظها فهذا أمر يرجع إلى قسمته عليه الصلاة والسلام للضعفاء الذين كانوا يأتونه من القرى، وهذه أحوال استثناها العلماء.
وكذلك بالنسبة لصاحب المال إذا أراد أن يُخرج زكاة ماله، فلو فرضنا أن زكاة ماله عشرة آلاف ريال، وهو يريد أن يُخرجها بنفسه، فعليه أن يتحرى قبل نهاية الحول، فيكتب الضعفاء والفقراء، حتى إذا انتهى الحول أوصل لكل ذي حق حقه، أما أن يبقيها مجمدة عنده، ويتحرى ويتأخر ويماطل، فهذا لا يبعد أن يكون كالذي قبله، ولذلك نبّه العلماء على أنه ينبغي على من توكّل بالزكاة أن يتقي الله في حقوق الضعفاء والفقراء، فإن الله جعل الزكاة حقاً، ولم يجعل لأحد فيها منّة على الضعيف والفقير، فقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤ - ٢٥]، فجعله حقاً واجباً، حتى إن بعض العلماء يقول: لا ينبغي للغني إذا أعطى الفقير أن يرفع يده عليه، حتى لا يشعره بالذلة؛ لأن هذا حقٌ واجب، وليست بصدقة نفل.
فالزكاة أمرها عظيم، فينبغي أن يبادر الإنسان بأدائها على الفور، وأن يُنصح كل من يأخذ الزكاة، سواء كان يأخذها على سبيل الأفراد أو على سبيل الجماعة ألا يتأخر فيها، وأن يبادر بإخراجها لأهلها.