[مشروعية الختان]
والختان شرعه الله للرجال لما فيه من إزالة هذا الموضع الذي تكمن فيه النجاسة, ولذلك إذا أزاله كان ذلك أبلغ في الطهارة والنقاء والبعد عن الدنس, والدين دين طهارة حساً ومعنىً, كما قال تعالى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:٦] فهذه من الطهارة، وطهر الله عز وجل المؤمنين حساً ومعنىً وشرفهم بهذه الطهارة {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:١٠٨].
فشرع هذا الختان طهارة للرجل, وكذلك تخفيفاً من الشهوة في المرأة, فإن المرأة إذا تركت على حالها اشتدت شهوتها, ولذلك كما ذكر شيخ الإسلام رحمة الله عليه يقول: يوجد في نساء الكفار من الشدة لطلب الفساد والحرام ما لا يوجد في نساء المؤمنين، وذلك لمحل الختان.
وجعل الله في الختان مصلحة الدين والدنيا, فلذلك يحصل به العفة للمرأة والرجل, وتحصل به العفة للمرأة والطهارة للرجل، ولذلك المرأة إذا اجتثت هذه الجلدة ذهبت شهوتها كما يقول الأطباء والحكماء من المتقدمين والمتأخرين، وإذا تركت اشتدت غلمتها, ولذلك ورد في حديث ابن عطية كما أشار إليه الإمام ابن القيم في التحفة: (أشمي ولا تنهكي) والاشمام يكون من أعلى الشيء، والإنهاك اجتثاثه من أصله، وهو حديث متكلم في سنده, ولكن معناه صحيح عند العلماء، أن الخاتنة ينبغي عليها ألا تأخذ الجلدة بكاملها ولا تستأصلها؛ لأنه استئصال للشهوة وذهاب لها، وكذلك أيضاً لا تترك الجلدة, فشرع الله هذا لما فيه من اعتدال الشهوة للمرأة.
كذلك يختن الرجل لطهارته ونقائه, والغريب أنهم وجدوا أن من الحكم والفوائد التي تترتب على الختان أنه قلّ أن يصاب المختتن بسرطان القضيب, وهذا معروف عند الأطباء، وهذا من رحمة الله عز وجل، وإنما يعرف السرطان -والعياذ بالله- الذي يصيب العضو لمن لم يختتن, وذكر بعض الأطباء -وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام وفضائل السنة النبوية التي جاءت عنه عليه الصلاة والسلام ومنها: الختان- أنه يوجد نسبة ١% من المختتنين ممن يصاب بسرطان القضيب.
ومن القصص الغريبة التي تحكى للاتعاظ والاعتبار حدثني بها بعض الأطباء: أنه كان في بعض البلاد الإسلامية، وكان معهم طبيب نصراني, وكان تخصص هذا المسلم مع النصراني في المسالك البولية, فكان يهزأ هذا النصراني من الختان ويستخف به كثيراً, حتى أراد الله عز وجل أنه ابتلي -والعياذ بالله- بسرطان القضيب، وحصل له ما حصل من أذية هذا البلاء بسبب استهزائه وسخريته من هذه الشعيرة التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم.
الختان يشرع للرجال وللنساء والصحيح: وجوبه على الاثنين، وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (خمس من الفطرة) وذكر الختان دون أن يفرق بين الرجال والنساء؛ لأن المرأة تحتاج إليه طلباً للعفة, والعفة مطلوبة وواجبة, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ولما كان اعتدال شهوة المرأة يحصل به مقصود الشرع كان الختان من هذا الوجه أقرب للوجوب منه للاستحباب والندب.
وينبغي أن ينبه على تساهل كثير من الآباء ومنعهم بعض النساء من الختان وهذا لا ينبغي بل ينبغي إحياء هذه الشعيرة بين النساء وذلك لما ذكرناه من الحكم والفوائد، وقد ذهب طائفة من العلماء رحمهم الله إلى وجوبه على الجميع.
وأما ما ورد من حديث ابن كليب: (أن الختان واجب للرجال ومكرمة للنساء) فهو حديث ضعيف, والصحيح أنه للرجال والنساء, وفيه ما ذكرناه من الحكم, ويجب على المسلم إذا قارب البلوغ والأفضل أن يختن الذكر صبياً وتختن الانثى صبية, وينبغي على كل من الخاتن والخاتنة مراعاة حدود الله في الختان، فلا يجوز ويحرم كما نبه الإمام ابن قدامة في المغني في الجزء السادس عند كلامه على الإجارة: يحرم على الخاتن أن يختن إلا إذا كان بصيراً بالختان, عارفاً له.
وإذا ختن غير عارف وتجاوز -أو ختن وهو عالم- وتجاوز حدود الختان فإنه يضمن ويأثم شرعاً، أما ضمانه إذا لم يكن عالماً فلقوله عليه الصلاة والسلام في حديث السنن: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) وأجمع العلماء على أنه يأثم، وإذا قصد الإضرار فإنه يقتص منه ولو كان طبيباً, لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:٤٥] فيختن كلاً من الرجال والنساء وتراعى حدود الله عز وجل من عدم ختن الرجال للنساء إذا وجد النساء, وعدم النظر إلى العورة أكثر من الوقت المحتاج إليه, وعدم الزيادة على الحد المعتبر في الختان.
قال رحمه الله تعالى: [ما لم يخف على نفسه].
ككبير السن, الشيخ الهرم، أو يكون هناك التهابات أو أمراض بحيث لو اختتن زادت عليه واستفحل شرها فيرخص له في ترك الختان.