[حكم تغريب المرأة الزانية]
إذا ثبت أن التغريب عقوبة شرعية ف
السؤال
هل تغرب المرأة مع الرجل أم أن التغريب يختص بالزاني دون الزانية؟ وجهان عند الجمهور الذين قالوا بثبوت التغريب: فجمهور الجمهور -وهم: الشافعية والحنابلة والظاهرية- يرون أن التغريب يشمل الرجال والنساء، وخالف المالكية رحمهم الله فقالوا: يغرب الرجل، ولا تغرب المرأة.
استدل الجمهور بعموم قوله عليه الصلاة والسلام (البكر بالبكر: جلد مائة، وتغريب عام)، وهذا شامل للذكر والأنثى.
واستدل المالكية بقوله عليه الصلاة والسلام -كما في حديث ابن عمر في الصحيحين-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم)، قالوا: أنتم تقولون: إن التغريب إلى مسافة القصر، ومعنى ذلك أن المرأة إن غربناها ستسافر بدون محرم، وهذا خلاف النص، وإن غربناها مع المحرم فسنظلم المحرم الذي لا ذنب له، هذا وجه استدلالهم بالحديث.
والذي يترجح في نظري -والعلم عند الله- هو القول بثبوت التغريب للرجال والنساء على حد سواء لما يلي: أولاً: لصحة دلالة السنة على ذلك حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البكر بالبكر: جلد مائة، وتغريب عام)، ولم يفرق بين الرجل والمرأة.
ثانياً: أن ما ذكروه من الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة)، جوابه من وجهين: الوجه الأول: لا نسلم أننا ظلمنا المحرم، وهذا من أقوى الأجوبة، قال بعض العلماء: لأنه لا تزني المرأة إلا بتقصير من أهلها ومحارمها، وإذا علم المحرم أن زناها ووقوعها في الحرام سيجره إلى العقوبة معها، وسيتحمل شيئاً من العقوبة؛ حفظ الناس أعراضهم، فمن هنا نقول: ما ظلمنا المحرم؛ لأنه لا يقع زنا المرأة إلا بنوع من تفريط أهلها، وهذا أبلغ في تعظيم حدود الله، وزجر الناس عن التساهل فيها، وحينئذ لا يمتنع أن الشريعة تشرك المحرم في عقوبة التغريب.
الوجه الثاني: نقول: لا مانع أنه يذهب بها، ثم يقفل راجعاً؛ لأن الأصل أن الإمام إذا غرب الزانية أن يضعها في مكان يؤمن فيه الفساد، كما لو سافرت لحاجتها في بلد، فتركها المحرم في البلد عند قرابتها أو نحوهم ممن يصونها، ففي حال السفر يشترط المحرم، أما إذا بقيت واستقرت في موضعها بدون محرم فرخص فيه غير واحد من العلماء، وبهذا يبطل ما ذكروه، وناظر الإمام الشافعي رحمه الله في هذه المسألة مناظرة طويلة نفيسة، مليئة بالعلم، وقوية في الحجة في كتابه النفيس (الأم)، وبين أن نصوص الشرع على هذا، وأنها دالة على ثبوت التغريب واعتباره.
إذا ثبت هذا، فيغرب سنة كاملة، وهذا -كما ذكر العلماء- فيه حكم عظيمة، قالوا: إن الزاني لا يخلو من حالين: الحالة الأولى: أن يكون فاسداً في نفسه.
والحالة الثانية: أن يكون الفساد من غيره.
فإن كان فساده من نفسه فالمائة جلدة على ظهره أبلغ في زجره ومنعه من الزنا مرة أخرى، وإن كان زناه بسبب قرناء سوء أو نحو ذلك، قطع عنهم سنة كاملة، ويهيئ له ما يعينه على الصلاح بعد العقوبة، فتغريبه عن موضعه الذي هو فيه أبلغ في حصول التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.