قال رحمه الله:[ونساؤهم على النصف كالمسلمين]: ونساء أهل الذمة على النصف من ديات ذكورهم، كما أن نساء المسلمين على النصف من دية ذكورهم، وهذا فيه أثر مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضاً مرسل عن سعيد بن المسيب في الصحيح رواه مالك في الموطأ:(عقل المرأة على النصف من عقل الرجل).
وعليه سواد الأمة الأعظم على أن المرأة ديتها على نصف دية الذكر، وهذا هو السبب الثاني من النقصان: الأنوثة، أن يكون المقتول أنثى، السبب الأول: الكفر، والسبب الثاني: الأنوثة، فإذا كان المقتول أنثى فإن ديتها على النصف.
ذكر المصنف الكتابية ثم قال:[كالمسلمين] فأشار إلى أصل المسألة، فالمرأة المسلمة إذا قتلت خطأً فإن ديتها على النصف، وإذا قتلت عمداً أيضاً ديتها على النصف -تشطر ديتها- وهذا كما ذكرنا حكى بعض العلماء الإجماع عليه.
وخالف في هذه المسألة الأصم بن علية، وخلافه شذوذ، وللأصم بن عُلية شذوذات عجيبة، فقد خالف في أشياء منصوص عليها، وخرجوا فيها إجماعات العلماء رحمهم الله، ولذلك لم يعتد بخلافه، حتى إن الإمام ابن العربي رحمه الله الفقيه المشهور لما ذكر مشروعية الإجارة وذكر نصوص الكتاب والسنة الواضحة على أن الإجارة مشروعة، وكان الأصم يقول: لا تجوز الإجارة؛ لأنها بيع لمعدوم، والمنفعة غير موجودة أثناء العقد، فشكك في جوازها مع ورود النصوص في الكتاب والسنة، فقال الإمام ابن العربي رحمه الله كلمته المشهورة: ولم يخالف فيها إلا الأصم فكان عن شرعها أصم.
وعند العلماء عبارات قد تكون ثقيلة في بعض الأحيان، لكنهم يريدون التشنيع على المخالف حتى لا يقتدي به غيره، مثل قول الإمام أحمد عن أبي ثور في مسألة أكل الذبيحة إذا لم يذكر عليها اسم الله عز وجل قال: أبو ثور في هذا كاسمه، ومع أنه يقول عن أبي ثور إبراهيم بن خالد بن يزيد الكلبي: أبو ثور أعرفه بالسنة منذ ثلاثين عاماً، فأثنى عليه هذا الثناء العظيم.
هذا منهج عند العلماء وهو فقه الفقه: إنه إذا كان القول شاذاً يشنعون فيه حتى تستبشع الناس اتباعه وينفر طالب العلم؛ لأن بعض طلاب العلم عندهم قصور في الفهم، فلربما قرأ الدليل لهذا القول الشاذ المخالف للإجماع فاغتر به، لكن لو وجد التشنيع من أئمة السلف والتقريع والتوبيخ صار أمراً زائداً على المسألة، وهذا فقه الفقه، أنه ينبغي النصيحة لعامة المسلمين ولكن لا يقصد بها التحقير، مع أن العلماء ذكروا خلافه واعتنوا بنقل قوله من باب التنبيه، والتحذير من متابعته في شذوذه.
على كل حال: هذه المسألة خالف فيها الأصم بن علية فقال: إن عقل المرأة كعقل الرجل، وهو خلاف من ذكرنا من السلف، حتى إن فتوى الصحابة وقضاءهم على ذلك، يعني على تشطير دية المرأة.
إذا ثبت أن دية المرأة نصف دية الرجل في المسلمين كذلك في الذميين والكتابيين، فلو قتل مسلم امرأة من اليهود أو نصرانية، أو قتلها يهودي مثلها خطأً أوجبنا عليه نصف الدية الواجبة في الكتابي، فيجب فيها خمس وعشرون من الإبل؛ لأن دية الكتابي خمسون.