امتناع الزوج عن وطء زوجته إضراراً بها بدون يمين
قال رحمه الله: [وإن ترك وطأها إضراراً بها بلا يمين ولا عذر فكمولٍ] هذه المسألة الأخيرة التي ذكرها المصنف رحمه الله في هذا الباب، وهي مسألة امتناع الزوج من وطئه لزوجته على سبيل الإضرار بها.
فإذا امتنع الرجل من وطء زوجته أربعة أشهر واشتكت إلى القاضي، فإن القاضي يوقفه ويقول له: إما أن تعود إلى المرأة وتفيء وتجامعها وتعطيها حقها وتعفها عن الحرام، وإما أن تطلقها أو نطلقها عليك.
وقد قصد المصنف رحمه الله من هذا بعدما بين أحكام الإيلاء التي هي الأصل، أن يشرع في بيان ما يقاس على الإيلاء، فالشريعة حينما أعطت المرأة هذا الحق، وهو مخاصمة زوجها بعد تمام المدة وهي الأربعة الأشهر وهي إيقافه شرعاً، فكذلك المعنى الذي من أجله شُرع للمرأة أن تطلب بفيء زوجها وتطليقه موجود في حال امتناعه عن وطئها بدون يمين.
فمن حقها أن توقفه وتسأله الرجوع أو التطليق، ومما ينبغي أن يتنبه له كل مسلم أن الزواج له حقوق ومسئوليات وواجبات؛ ومنها: أنه يجب على الرجل أن يعف امرأته عن الحرام، كما أنه يجب على المرأة أن تعف زوجها عن الحرام، خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وكثرت فيه المحن، فالواجب على المرأة أن تحفظ زوجها وتحافظ عليه، وكذلك الزوج الواجب عليه أن يحافظ على زوجته، ويحول بينها وبين الحرام، خاصة إذا كانت صالحة وكان الزوج صالحاً.
وبعض الأزواج يتساهل في هذا الأمر، وينظر إلى أن الاستمتاع بالمرأة مجرد شهوة ولا يبالي، فيكثر من السفر، وربما يغيب الأشهر العديدة، دون أن ينظر إلى حق زوجته في فراشها وحاجتها إلى من يعفها.
وكذلك المرأة ربما عاشت مع زوجها فلا تتجمل له، ولا تحسن التجمل له حتى تحفظه من الحرام، حتى لربما -والعياذ بالله- زلت قدمه ووقع في الحرام، وتعاطى الأسباب لا يخلو الإنسان من الإثم -والعياذ بالله- والحرج.
ولذلك المرأة التي تقصر في حق زوجها في فراشه ربما كانت سبباً في وقوعه في الزنا والعياذ بالله! وهذا ستسأل عنه أمام الله عز وجل.
والرجل الذي يقصر في حقوق امرأته ويغيب عنها، ولا يشترط أن يمتنع من وطئها أربعة أشهر، فإن بعض النساء قد لا تصبر شهراً أو شهرين؛ كالمرأة حديثة العهد بالعرس، أو المرأة التي تعيش في اختلاط، أو في بيئة يصعب فيها الصبر، أو حال يدعو إلى الحرام، مثل أن تكون بين أبناء عمومته أو أبناء خئولته، ويكون مجتمعه فيه نوع من الاحتكاك والأخذ والعطاء، أو يكون وضعها الاجتماعي يوقعها في مثل هذه المحرمات، أو مخالطة الرجال، فهذا كله يشدد في أمره.
والواجب على الرجال أن يتقوا الله في النساء، والواجب على النساء أن يتقين الله في أزواجهن، وأن يحسن التبعل للأزواج، وأن يحسن الرجل إلى زوجته، وأن يعلم أن من كمال الله عز وجل وكمال شرعه أن المؤمن يحتسب الثواب عند الله حتى في شهوته، قالوا: (يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟ قال عليه الصلاة والسلام: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟)، فهذا يدل على كمال هذه الشريعة وسموها.
نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل.
والله تعالى أعلم.