[حكم إخراج الميزاب إلى الدرب العام]
[وميزاب]: الميزاب هو الذي يسمى بـ (المرزاب) وتخرج منه الفضلات من سطوح البيوت والمنازل والغرف على الطرقات، وهذا فيه ضرر على الناس؛ لأنه إذا صب فإنه يصب على الناس، ولو قال قائل: إن صاحبه لا يصب منه إلا بحذر، قلنا له: إذا نزل المطر لا يستطيع أن يتحكم فيه، ففيه ضرر، ومثل هذه الميازيب لا يشرع فتحها على الطرقات العامة.
وخاصة بعد أن نظمت الطرق اليوم، وهذا يؤكد مشروعية المنع من إشراع الميازيب على طرق الناس لما فيها من الضرر والأذية، فقد يكون فيها نجاسة، فيخرج الناس إلى الصلاة وتسيل النجاسة في طرقاتهم، وإن كان والحمد لله الآن قد نظمت هذه الأشياء، وإلا فقد كان الناس يعانون من هذا عناءً لا يعلمه إلا الله، خاصة إذا كان صاحب الميزاب لا يتقي الله.
ولكن قد لطف الله بعباده وتغيرت الأحوال، فمن عاش القديم وعرف الأحياء القديمة ونظر إلى أحوالها يجد فيها عظيم الأذية والضرر بهذه الميازيب، من جهة صبها على الناس وما فيها من النجاسات، أو ما فيها حتى من الطاهرات المنتنة والمؤذية، فالرجل ليس في همه إلا أن يخرج عنه الضرر بغض النظر عن أن يكون في طريق الناس أو يكون مؤذياً للناس، فهذا لا يهمه فالذي يعنيه أن يدفع الضرر عن نفسه، فكان هذا من أعظم ما يستضر الناس به، ولكن الله عز وجل وسع عن الناس والحمد لله.
قال رحمه الله: [ولا يفعل ذلك في ملك جار]: فلو سلط المرزاب على جاره حق له أن يمنعه، ولو سلط الروشن أو الساباط على ملك جاره حق لجاره منعه.
قال رحمه الله: [ودرب مشترك بلا إذن مستحق] (ودرب مشترك): لا يجوز في الدرب المشترك أن يشرع عليه المرزاب، ولا يجوز في الدرب المشترك أن يضع الدكة كمداخل الأحياء، إلا بإذن مستحق.
قالوا: وإذا أذن أهل الحي أو أهل الحارة أو الذين يستفيدون من هذا الدرب فلا بأس، وإن كان بعض العلماء منع وقال: حتى لو أذنوا؛ لأنهم قد يأتيهم الضيف من خارج.
فهم إذا رضوا بالضرر فإن الضيف لا يرضى؛ ولأن الضيف سيطرق الطريق، والطريق حق عام للمسلمين، والعلماء رحمهم الله ما جاءوا بشيء من عند أنفسهم، إنما يبحثون عن صاحب الحق ومن له حق التنازل، حتى إن الإمام الشافعي وطائفة من العلماء لما ذكروا مسألة سد الطريق النافذ إلى الحي، قالوا: لو كان الطريق نافذاً إلى حي وله طريق بديل فاتفق أهل هذا الحي أن يسدوا هذا الطريق ويبقوا هذا الطريق قال: فمن حقهم سدها.
فاعترض بعض العلماء وقالوا: لو سد هذا الطريق وهو مشرع إلى طريق عام لاستضر من يحتاج إلى هذا الطريق؛ فإنه قد يحتاجه غير أهل الحي.
وقالوا: لو حدثت زحمة وفر الناس إلى هذا الطريق، خفف الزحام عنهم، فإذا سد الطريق استضروا.
كل هذا التقعيد المراد به: (من صاحب الحق).
ولتدرك أن هذه الأمثلة ما جاءت من فراغ، فهي تبحث عن مسألة: (من صاحب الحق، ومن يملك الإسقاط في هذا الحق)، فإذا عرفت من صاحب الحق عرفت وجه الاستحقاق، فمثلاً: لو اتفق أهل الحي على سد طريق وسدوه، ثم تراجع البعض فقالوا: نريد أن نفتحه، فلا يحق لهم أن يفتحوه إلا إذا اتفقوا كلهم على الفتح؛ لأنهم اتفقوا كلهم على السد، فينبغي أن يتفق جميعهم على فتحة.
وكل هذا تأصيل وتقعيد لمسألة الاستحقاق، وهذه المسائل ما جاءت عارضة، وليس المراد منها ذات المثال إنما المراد منها بيان صاحب الحق، ووجه الاستحقاق.