للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أسباب استجابة الدعاء]

السؤال

ماذا أقول حتى يستجاب لي، أثابكم الله؟

الجواب

فتحت أبواب رحمة الله عز وجل فاسأل ما تشاء، فأنت أمام ملك الملوك الذي لا تنفد خزائنه، ويده سحاء الليل والنهار، لا تغيضها نفقة.

يقول صلى الله عليه وسلم: (ألم تر إلى ما أنفقه منذ أن خلق السموات) فهو سبحانه الكريم الجواد الذي يحب من سأله ويرضى عمن سأله.

فمن سأل الله فقد وحده، ولذلك الدعاء هو العبادة؛ لأنك لا تسأل الله إلا وأنت تعتقد أنه هو المسئول، ولا ترجو الله إلا وأنت تعتقد أنه هو المرجو سبحانه وتعالى.

أما كيف تستجاب الدعوة؟ فالدعاء يستجاب إذا حصلت آدابه، وهي كالآتي: أولها وأعظمها: توحيد الله، قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر:١٤] فمن دعا الله مخلصاً موقناً فتح الله له أبواب السموات، واستجيب له ما قال من دعوات، وحقق له ما رجا في تلك الكلمات الطيبات المباركات، فعلى العبد أن يدعو بقلبٍ موقنٍ موحدٍ مخلصٍ لله عز وجل، وإذا وقف العبد بين يدي الله، فأحس أنه لا أكرم من الله سبحانه وتعالى! وأنه لو سأل الله عز وجل ذلك الأمر الذي يراه عسيراً أنه أيسر ما يكون عند الله جل وعلا، فإن الله تعالى إذا أراد أن يفتح أبواب رحمته لا يستطيع أحد أن يغلقها، وإذا أمسك رحمته لا يستطيع أحد أن يرسلها، فإذا أحس العبد وأيقن بربه سبحانه وتعالى، وعرف من الذي يسأل، وعرف أن الذي يسأله أرحم به من نفسه التي بين جنبيه، وأن الذي يرجوه أعظم براً وأعظم إحساناً من كل شيء، وأنه المنتهى في الكرم والجود، وأنه المنتهى في الإحسان واللطف والرحمة؛ عندها تنساب نفسه وكأنه يدلَل بين يدي الله جل جلاله، وعندها يعرف من الرب الذي يسأل، فلا يحس أن هناك مسألة تعيي الله عز وجل، ولا يحس أن الله عز وجل يمنع عنه شيئاً.

فإذا أحس بهذا الإحساس دعا وهو موقن بالإجابة، الرجل المشلول لا يتحرك فيه شيء ومع ذلك لا يقنط من رحمة الله عز وجل، وتجده يطلب الأمور فتستعصي عليه وتغلق في وجهه أبوابها، كلما طلب أمراً عسر عليه، وأصبح يسيره عسيراً وسهله حزناً، حتى تضيق عليه الأرض بما رحبت، وتضيق عليه نفسه التي بين جنبيه، ومع ذلك لا يقنط من ربه ولا ييأس من رحمته، فيرفع يديه للحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فيدعوه ويقول: يا رب! من قلب يعلم ما معنى قوله (يا رب) أنه الذي رباه بالنعم، وأنه الذي دفع عنه البلايا والنقم، وأنه الذي يحفظه، وأنه الذي يكلؤه، وأنه الذي يرحمه ويحسن إليه، فإذا دعا بهذا الشعور، فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءه.

ثانياً: الثناء على الله بما هو أهله، فإنه إذا استفتح الدعاء بتوحيد الله فلن تغلق أبواب السموات دون اسم الله جل جلاله، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب) الثناء على الله بما هو أهله يعين العبد ويحقق للعبد رجاءه.

ثالثاً: أن يكون مضمون دعائه غير مشتمل على قطيعة رحم، ولا على إثم، ولا يدعو على المسلمين، وإنما تكون الدعوة طيبة، يدعو العبد لصلاح دينه، ثم لصلاح دنياه، ثم يسأل الله عز وجل حسن الخاتمة، فلابد لك حين تبدأ مسألتك أن يكون أول ما تبدأ به دينك؛ لأنه رأس مالك في هذه الحياة، وفي الدين تسأل الله عز وجل مسألتين في الرجاء: أولهما: أن يعينك على أداء فرائضه، والثانية: أن يعينك على بلوغ الكمال في الطاعات والخيرات والباقيات الصالحات، ثم ضد ذلك أن يعينك على ترك المحرمات، وأن يبلغك في الورع والزهد منزلة تدع فيها ما لا شبهة فيه خشية الوقوع في ما فيه شبهة، فإذا وفقت في هذا عصمت في دينك.

ثم تسأل الله عز وجل بعد ذلك أن يرزقك الزيادة من الخير والثبات على الحق حتى تلقاه، ثم تسأله حسن الخاتمة، ثم تسأله بعد ذلك أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، ثم تسأله أن يعيذك من عذاب القبر، ومن فتنة القبر، ومن أهوال القبر، وتتصور كأنك وحيدٌ فريدٌ في قبرك، ثم تنتقل بعد ذلك إلى مشاهد الآخرة، فتسأل الله عز وجل أن يرحم في موقف العرض عليه ذلَّ مقامك بين يديه، وتسأل الله جل وعلا أن ييمن كتابك، وأن ييسر حسابك، وأن يعيذك من الصراط وزلته، وأن يعيذك من بطشته ونقمته، وأن يجعل حسابك يسيراً، ثم تسأل الله أن تدخل الجنة دون عناء ودون هم ودون غم، ثم تسأل الله أن يرفع درجاتك فيها، فإذا انتهيت من هذه المسائل التفت إلى أقرب الناس إليك من والديك، ثم أولادك وذريتك، ثم إخوانك وقرابتك، ثم أهل ودك الذين أحبوك في الله من علمائك الذين كانوا سبباً في هدايتك من أمواتهم، فتسأل الله أن ينور لهم قبورهم، وأن يفسح لهم فيها، فتدعو لعلماء المسلمين حيهم وميتهم، ثم حتى تعم دعوتك جميع المسلمين، فتعيش مع المسلمين في همومهم وغمومهم وأشجانهم، فتدعو الله للمكروبين من المسلمين أن يفرج الله كربهم، فتحس بأحاسيس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

فلا تسمع بنكبة إلا بسطت كفك إلى الله سائلاً إياه أن يفرج عن المكروبين والمنكوبين.

وبهذا تكون رحمة لعباد الله.

ثم تدعو على أعداء الله وأعدائك الذين هم من شياطين الإنس والجن، الذين يحولون بينك وبين ربك.

فتسأل الله عز وجل أن يحول بينك وبينهم، وأن يكفيك شرورهم، وتسأل الله عز وجل للأمة كذلك.

ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم في هذا المقام أن يصلح لنا أمور الدنيا والآخرة، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه، ونسأله أن يحسن لنا ولكم الختام، وأن يدخلنا وإياكم دار السلام، دون حساب ولا عذاب، ولا سبق خصومة ولا عتاب، ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج عن كل مهموم منكوب مكروب، وأن يفرج عن إخواننا في أفغانستان من أراملهم وضعفائهم، ونسأل الله العظيم أن يجبر كسرهم، ونسأل الله العظيم أن يرحم ضعفهم.

اللهم إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وأنهم جياع فأطعمهم.

اللهم ارحم ضعفهم واجمع شملهم.

يا حي يا قيوم! اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، أن تفرج عن المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين! اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية يا حي يا قيوم! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>