إذا كَبُرَ هذا اللقيط فخطب، فمن يكون وليه في هذه الحالة؟
الجواب
إذا كان رجلاً، فإنه يخطب لنفسه، ويتزوج من يريد، ولا يشترط الولي للزوج؛ لأن الرجل يجوز له أن يزوج نفسه، لكن هذه المسألة عند بعض العلماء من المشتبهات، وتدخل في مسألة التورع؛ لأنه يُخشى أن يخطب أخته، أو يخطب بنت أخته، أو يخطب قريبته، فمسألة النكاح فيها إشكال كبير من جهة إذا غلب على ظنه وجود والديه في بلده، أو تكون هناك شبهة بالزنا -والعياذ بالله! - أو يكون من غير زنا، فيخشى أن يتزوج قريبته.
وبالنسبة لشبهة كونه ابن زنا يعرف ذلك بالأحوال والدلائل، فإذا وجد في مكان التقاطه نقود على صفةٍ تبين تخلي والديه عنه، فالشبهة قائمة على أنه ابن زنا والعياذ بالله! وفي حالة ما إذا كان ابن زنا، فتفصل المسألة على خلاف العلماء، هل الزنا يؤثر في المحرمية أو لا يؤثر؟ فذهبت طائفة من العلماء إلى أن الزنا لا يؤثر كالشافعية ومن وافقهم، وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى أن الزنا يؤثر، فتحرم الأخت من الزنا، والعمة من الزنا، ويثبت الزنا المحرمية، كما تثبت في النسب، والقول بأن الزنا لا يؤثر ورد عن بعض الصحابة، مثل: عبد الله بن مسعود حيث قال: إن الحرام لا يحرم الحلال، فعلى هذا يمكن له أن يتزوج من الموضع؛ لأن الزنا لا يؤثر، ومذهب الجمهور إنه يؤثر؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالأسماء، وقد ذكرنا هذا في مسألة المحارم، وهي: هل البنت من الزنا مَحْرَمٌ؟ وهل الأخت من الزنا محرم؟ وهل يجوز نكاحها؟ وقلنا: إن هذا من المشتبه الذي لا يفتى بحله ولا بحرمته، فيكون القول الذي اخترناه، قريب من مذهب الجمهور، ففي هذه الحالة إذا كان اللقيط في موضع على صفةٍ يغلب على الظن أن فيه شبهة الزنا، فإنه يبتعد عن البلد الذي وجد فيه، ويتعاطى أسباباً تبعده، حتى قال بعضهم: أحب أن يتزوج من موضع غير الموضع الذي وجد فيه، يعني: يتزوج من مكان آخر، حتى يبتعد عن الشبهة في هذا، وهذا مذهب بعض العلماء.
إذاً: لا بد أن تعرف أولاً: هل هذا اللقيط من جنس الزنا أو من غيره؟! مثال من كان من جنس غير الزنا: الطفل الذي يكون ضائعاً في مجامع الناس، فالغالب ألا يكون هذا ابن زنا؛ لأنه لا يصل بالأم أن تتهرب من الولد وعمره أربع سنوات أو خمس سنوات أو ست سنوات، وهذا لا يخفى، ولا يمكن أن تتهرب دون أن تضع في جيبه ما يقوم به، فالزنا له دلائل، وهناك دلائل تغلب على الظن وجود تهمة الزنا، وهناك دلائل تغلب على الظن أنه ليس بابن زنا، فإذا وجدت الدلائل التي يحكم بكونه ليس ابن زنا، فالأمر أشد وأعظم؛ لأنه في هذه الحالة يحتمل أن كل واحدة في هذه القرية، أو في هذه المدينة بينه وبينها صلة توجب المحرمية، فالأمر صعب جداً، ولذلك يكون الأمر فيه أشد مما لو كان من الزنا، فالمسألة ليست سهلة، فإن وقعت يفتى فيها، فالإنسان يتورع من مثل هذه المسائل، لكونها تحتاج إلى نظر، وقد تكلم العلماء رحمهم الله عن هذه المسألة في باب النكاح، وأشار إليها الإمام النووي رحمه الله، والإمام الماوردي، في الحاوي، والإمام ابن قدامة، وأشار إلى جملة من مسائلها المتفرقة في النكاح، فهي مسألة مشهورة عند العلماء، وفيها إشكال، إلا أنه إذا تعاطى الأسباب، وعمل على غالب الظن بالسلامة، فإن شاء الله لا بأس في نكاحه وزواجه، والله تعالى أعلم.