[اشتراط ما يوجب الضرر والغرر]
[أو ربح أحد الثوبين]: قوله: لي ربح أحد الثوبين: هذا إذا اشتركا في شراء ثوبين، فقال أحدهما: تأخذُ أنت ربح الثوب القطن، وآخذُ أنا ربح الثوب الصوف، فهذا لا يجوز؛ لأنه يفصل ربح الشركة عن الطرفين.
وهذه أمثلة -كما ذكرنا غير مرة- أن العلماء والفقهاء رحمهم الله يذكرون أمثلة يقصدون منها التقعيد.
والمسألة ليست في الثياب، إنما المسألة أنه لا يجوز أن يعطيه ربحاً مجهولاً.
وفي حكم الجهالة: التغريرُ، كأن يدخلا في الشركة في تجارة الأقمشة -مثلاً-، فيشتريا بنصف المال أقمشة من القطن، وبالنصف الآخر أقمشة من الصوف، فيقول أحدهما للآخر: الآن اشترينا القماش، فتأخذُ أنت ربح الصوف، وآخذُ أنا ربح القطن، فلا يجوز، فكما أن الجهالة تكون في الأول، كذلك تكون أيضاً في الأخير، وتكون في الأثناء.
فإذا قال له: تأخذُ ربح كذا، وآخذُ ربح كذا، فلا يجوز.
وفي زماننا: لو أنهما اشتركا بمائة ألف ريال ودخلا في الشركة، وكان من عادتهما أن يسافر أحدهما إلى الخارج ليجلب التجارة، فالشركة بينهما تستلزم بضائعَ تستورَد ثم تُباع، فقال أحدهما: السفرة الأولى لي ربحُها، والسفرة الثانية لك ربحُها، تسافر أنت وتأخذ الربح، أو أسافر أنا وآخذ الربح، أو لي ربح السفر إلى المشرق، ولك ربح السفر إلى المغرب.
إذاً: ليس مراد العلماء في مسألة (لي ربح أحد الثوبين) القصر على الثياب أو على مسألة البضائع إذا كانت من الثياب، لا.
إنما هي قاعدة: أن الشركة تستلزم دخول الشريكين مستويين، من بداية العقد إلى نهاية العقد.
وبناءً على ذلك: فلو اشترط أحدهما على الآخر نصيباً معيناً، مثل: لي ربحُ أحدِ الثوبين، أو لي ألفُ ريالٍ كل شهر، أو لي عشرةُ آلافٍ كل سنة، أو لي من الربح صافياً خمسةُ آلافٍِ، ثم نقسم الربح بيننا، كل ذلك مما يوجب الجهالة، ومما يغرر بالطرف الآخر الذي فرض عليه الشرط.
وعلى هذا لا يجوز أن يحدد ربحاً من أحد المبيعات، ولا يجوز -كما في زماننا- أن يحدد ربح سَفْرة من السَّفْرات، أو يقول له: إذا كانت السَّفْرة إلى جهة كذا كان لي ربحها، وأنت إلى جهة أخرى يكون لك ربحها، أو تكون التجارةُ صيفيةً شتويةً، فيقول: لي ربح الصيف، ولك ربح الشتاء، كتجارة الرطب والتمر -مثلاً-، فيقول له: ندفع مائة ألف ونشتري التمر ونبيعه، ونشتري الرطب ونبيعه، فما كان من نتاج الرطب فلك ربحه، وما كان من نتاج التمر فلي ربحه.
وهكذا لو أن الشريكين دخلا في الشركة، على أن يتاجرا -مثلاً- في العطورات عموماً، وكان أحدهما أعرف بالعود، والآخر يعرف بقية الأصناف، فشاء الله أن الذي يعرف العود قال: أسافر وأجلب العود وأبيعه ولي ربحه، وأنت تسافر للأنواع الأخرى ولك ربحها.
هذا كله لا يجوز.
لماذا؟ أولاً: لأن مقتضى عقد الشركة يستلزم دخولهما سوياً في الربح، وأن يكون أحدهما حاملاً لكسر الآخر.
ثانياً: لأننا لو أجزنا هذا النوع لغرر أحدهما بالآخر؛ لاحتمال ألَّا يربح إلا الوجه الذي حدده، واحتمال ألَّا يربح إلا الصفقة أو العَرَض الذي خصه، وفي ذلك ضرر على الطرف الثاني.