بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فمما يشترط لجواز الإجارة: أن يكون المؤجر قادراً على تسليم المنفعة للمستأجر، فلا يجوز إجارة شيء لا يتمكن صاحبها من تمكين المستأجر من منفعته، ولذلك يعتبر العلماء رحمهم الله بيع البعير الشارد والعبد الآبق من بيوع الغرر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وعلل العلماء ذلك: بأنه يدفع الثمن في شيء لا يمكن أن يضمنه استلامه.
كذلك في التجارة: لا يجوز أن يستأجر شيئاً لا يتمكن من منفعته، أو لا يستطيع صاحب الملك أن يمكنه من منفعته، وقد ذكر العلماء رحمهم الله لذلك أمثلة، فيعتني المصنف رحمه الله بذكر شيء منها.
إذاً: لا تصح الإجارة إلا إذا كانت على منفعة مقدور على تسليمها، فإن كانت على منفعة غير مقدور على تسليمها فإنك تقول: إن هذا من الغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، وكما لا يصح بيع الشيء الذي لا يمكن تسليمه، كذلك لا يجوز بيع المنفعة التي لا يمكن تسليمها، بجامع كون كل من العقدين عقد معاوضة.
قال رحمه الله تعالى:[ولا تصح إجارة الآبق والشارد].
فلا تصح إجارة عبد آبق، وهو الذي فر وهرب من سيده، ولا تجوز إجارة بعير شارد، فالبعير إذا كان شارداً وقال له: أؤجرك هذا البعير يوماً بمائة، واتفقا على إجارته في الغد، فإن البعير غير موجود، فيحتمل أن يتمكن من أخذه والقبض عليه حتى يتمكن المستأجر من أخذ المنفعة ويحتمل ألا يتمكن من ذلك، فصارت إجارته على هذا الوجه من إجارة الغرر، وقد حرم الله ورسوله الغرر لأنه أكل للمال بالباطل.
وعلى هذا قالوا: لا يجوز إجارة البعير الشارد ولا إجارة العبد الآبق، فلابد إذا استأجر شيئاً أن يكون مقدوراً على منفعته، وهذا من العدل، فإن الله سبحانه وتعالى حفظ للناس حقوقهم، وجاءت الشريعة بحفظ الحقوق للعباد، فإذا استأجر أخوك المسلم منك شيئاً فإنك كما لا ترضى لنفسك أن تدفع مالاً في شيء لا تضمنه، كذلك ينبغي ألا ترضى لأخيك المسلم أن يدفع مالاً في شيء لا يضمنه، ولا يتمكن من أخذ حقه واستفيائه منه.