[صور وقوع جريمة الحرابة]
قال رحمه الله تعالى: [وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء أو البنيان، فيغصبونهم المال مجاهرة لا سرقة].
ذكر المصنف رحمه الله شرطين هامين لا بد من توفرهما لكي نحكم بجريمة الحرابة: الشرط الأول: التعرض للناس بالسلاح، وحينئذٍ يصدق عليهم أنهم حاربوا الله ورسوله.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الفعل منهم جهرة لا سراً وخفية.
فلا بد من وجود هذين الشرطين، فإذا تحقق هذان الشرطان لم يلتفت إلى كون جريمتهم داخل المدن أو خارجها، ولم يلتفت لكون الجريمة صادرة من جماعات أو أفراد، وعلى هذا فتشمل الحرابة جرائم الجماعة وجرائم الأفراد، وفي جرائم الجماعات تشمل العصابات وتشمل الاتفاق من الجماعة دون وجود تعصب.
وتوضيح ذلك: أن الحرابة يمكن أن تكون بالجماعة، إذا نظمت ورتبت وخططت للاعتداء على مال أو نفس أو عرض مسلم، أو على ذي حرمة كالذمي، فإنهم إذا خططوا لذلك فهي جريمة منظمة، وبالتالي فإنه يدخل فيها من لا يدخل في فعل الأفراد، فيدخل في الجريمة المنظمة: المخطط والمنفذ والمدبر.
فلو أن جماعة اجتمعوا وخططوا للهجوم على جماعة من المسلمين، أو على متاجر، أو على أسواق، أو على محلات، أو على دور فيها أعراض، وحرمات بقصد قتل من فيها أو قصد ضربه وأذيته أو قصد الاعتداء على الأعراض كما في المجموعات إذا صارت بتنظيم وتخطيط لأماكن تجمع النساء من أجل فعل الفاحشة والاعتداء على الحرمة من النساء.
كل هذا يستوي فيه من يمثل ومن يخطط، فلا يختص الحكم في الجماعات المنظمة بمن ينفذ، بل إن الذي يدبر ويخطط قد يكون أشد جرماً وأعظم بلاءً من الذي ينفذ، حتى إن الجريمة لربما لم تقع ولن تقع إلا إذا وجد من يعرف بعض الأسرار وبعض والوسائل والطرق التي يمكن أن يتوصل بها المجرم إلى جريمته.
ومن هنا ففي عصرنا الحاضر لو اجتمعت عصابة للهجوم على محل أو مركز تجاري داخل المدن أو الاستراحات كما في المحطات والصحاري، واحتيج مثلاً إلى فك رموز لأجهزة الكترونية أو أجهزة معقدة، فجاء إنسان عنده خبرة ومعرفة وخطط لذلك وأعانهم عليه، فهو شريك لهم ومحارب، وهم في الفعل هم الذين ينفذون.
ففي الواقع لا يستطيعون أن يصلوا إلى هذه الحرمة من الدماء والأموال والأعراض لولا هذا التدبير.
كذلك لو خان الخائن فتدخل في الجرائم المنظمة خيانة الخائن، مثل أن يكون قائداً لنساء وهن من حرمات المسلمين يؤتمن عليهن، كأن يوصلهن إلى مكان خارج المدن، فيتفق مع هذه العصابة أو مع هذه المجموعة، فهذه الجريمة منظمة مرتبة.
ومذهب طائفة من العلماء أن هذه الجرائم للجماعات المنظمة يستوي فيها المدبر والفاعل الممثل، فكلهم سواء، ويستوي أيضاً فيها العاقر مثل من يحمل السلاح، ومن ينفذ الجريمة بالفعل، فإذا هجم هؤلاء بسلاحهم على محل، فحمل أحدهم السلاح حتى لا يتحرك أحد، وقام الآخر بفتح الخزانة أو قام الآخر بالزنا والعياذ بالله، أو قام الآخر بربط المجني عليه أو نحو ذلك من الأذية، فحامل السلاح لم يفعل فعل الجريمة، ولم يفعل الجريمة من القتل أو السرقة، ولكنه يعتبر في حكم الفاعل.
وأيضاً يدخل في هذه الجماعات: العصابات المنظمة بالردء، وهو ما اختلف فيه العلماء، والجمهور على أن الردء والحماية للعصابات المنظمة حكمها حكم الجريمة نفسها، فلو كانت العصابة تتكون من مجموعتين: مجموعة تحرس وتكون قبل الجريمة، أو أثناء الجريمة، ردءاً وحفظاً لمن يفعل الجريمة، فالصحيح من أقوال العلماء رحمهم الله أنهم يدخلون في ذلك، وأنهم محاربون.
كذلك تكون من الجماعات غير المنظمة وهو ما يسمى بالاتفاق، وكثيراً ما يقع في أهل الشر، لو أن شخصاً خرج مع عائلته بسيارة مسافراً، ونزل في موضع في الصحراء فيه مجموعة من الأشرار، أو نزل في محطة واتفق نزوله مع وجود مجموعة من الأشرار، فجاء أحدهم فوقف أمام هذا الرجل، يريد أن يعتدي على عرضه، وجاء البقية من أصحابه الأشرار ووقفوا معه، وهجموا على هذا الرجل واعتدوا على عرضه أو دمه أو ماله، فهذه جريمة غير منظمة ولا مرتبة، لكنها في حكم الجناية الواحدة، يستوي أن يجتمعوا بتدبير وتخطيط وترتيب للهجوم وترتيب للفرار وتغطية للجريمة بعد فعلها، وبين أن يقوموا بذلك الفعل اتفاقاً، كأن يتفق رأيهم على الشر، سواء كانوا مع بعض أو كانوا متجانسين، مرّوا على هؤلاء ووجدوهم يضربون الرجل أو يعتدون على عرضه، فنزلوا وفعلوا معهم فعلتهم فهم سواء، وحكمهم حكم المحاربين سواء.
هذا بالنسبة للجماعات، ويدخل فيها العصابات المنظمة كما هو موجود في الأزمنة والعصور على اختلافها، وتدخل فيها الجماعات غير المنظمة التي تحصل اتفاقاً بالتواطؤ على الشر ومحبة الشر والتشوف للشر، من أذية الناس وانتقاص حرمات المسلمين والاستخفاف وعدم المبالاة بها.
كذلك أيضاً: كما تقع الحرابة من الجماعة تقع من الفرد، فلو أن رجلاً أشهر سلاحه على رجل مسافر وقال له: أعطني مالك، أو أشهر سلاحه وأخذ ما في جيبه، أو أشهر سلاحه وأخذ بضاعته من سيارته، أو أشهر سلاحه واعتدى على امرأة موجودة في السيارة، أو اعتدى على الرجل في حرمته، أو اعتدى على الأطفال تحت تهديد السلاح؛ فإنها حرابة.
إذاً: لا تختص الحرابة بالفرد ولا بالجماعة، وإنما هي عامة شاملة لحمل السلاح تهديداً للوصول إلى جريمة، سواء كانت بالاعتداء على النفس، أو على الحرمات من الأعراض أو الدماء، ولو كانت مجرد إخافة.