للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إخراج الزكاة لفقراء البلد]

قال رحمه الله: [والأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده].

هذه العبارة المراد بها أن أصحاب الأموال يُخرِجون زكاة أموالهم في البلد الذي هم فيه، وفيه تجاراتهم وأموالهم، وهذا من حكمة الله عز وجل أنه جعل فقراء البلد غناهم في أموال الأغنياء في نفس البلد، والأصل في الإلزام بهذا ما ثبت في حديث معاذ في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة -أي: زكاةً- تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فقال: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ولم يقل: (فأتني بها)، فدل على أن الزكاة تتعلق بالبلد، وهذا هو الصحيح على ظاهر السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيّد الزكاة بالبلد، وعلى هذا فلا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر.

ومن تأمل ونظر وجد أن نقل الزكاة يفوِّت مصالح عظيمة، وإن كان في بعض الظروف الضيقة قد يحصِّل مصالح أو يدرأ مفاسد؛ لكنه في كثير من الأحوال يُضر بأهل البلد، ولذلك تجد في البلد الضعفاء والفقراء، ويكون فيه أغنياء، فإذا قيل لأحد من خارج البلد: تصدّق على فقراء هذا البلد، قال: إن فيه من الأغنياء ما يكفيه، ويسد عوزه، فيمتنع من الصدقة عليهم.

ومن هنا قال العلماء: ينبغي للإنسان إذا كان له أقرباء مستحقون للزكاة أن يبدأ بهم، وليس هذا من المحاباة، والسبب في هذا: أن أقارب الغني لا يُعطون إذا كانوا فقراء أو ضعفاء من الأجانب؛ لأن كل إنسان يقول: هذا قريب لفلان الغني، فيمتنع من إعطائه شيئاً، ولذلك تصبح قرابته وبالاً عليه بحرمانه الخير من الأجنبي ومن قريبه.

ومن هنا قالوا: تعطى لفقراء البلد، حتى إذا سُدّت حاجتهم صُرفت إلى ما وراء ذلك البلد، وهذا هو الذي تميل إليه النفس؛ إذ لا يُعقل أن يصل الإنسان مكاناً بعيداً وحوله الفقراء يكتوون بالجوع والأسى والألم، وفيهم الأيتام والضعفاء والأرامل، أما في الأحوال المخصوصة كالنكبات والفجائع التي تحصل في البلدان والأمصار، فرخّص بعض العلماء في نجدتها، وإن كان بعض العلماء قال: إن هذا له أصل من وجوب المبادرة في سد عوَز المسلم؛ لكن الكلام إذا لم تكن هناك مثل هذه الأحوال الطارئة، فإذا كان الناس في بلد، وجب على أغنيائهم أن يسدوا عوزهم، لما فيه من رعاية حق الجوار، فإن الناس في البلد الواحد بمثابة المتجاورين، فإذا اكتفى بلده فحينئذٍ ينصرف إلى ما وراء مدينته وقريته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذاً فقال: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وهذا خبرٌ بمعنى الإنشاء، أي: خذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>