للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوقاية من المخدرات وعلاج من ابتلي بها]

وهناك أمور لابد من ذكرها وبيانها: فالمخدرات تعالج بأمرين، أو تدرس من جانبين: الجانب الأول: جانب الوقاية، والجانب الثاني: جانب العلاج.

فأما الوقاية فهي حصن حصين من الله عز وجل، حصن به من سلّمه الله من هذا البلاء، ومن عافاه الله فليحمد الله على العافية، وكل يوم تمسي وتصبح فيه وقد عافاك الله في عقلك فقل: الحمد لله، واحمد الله كما ينبغي أن يحمد سبحانه أن سلّم لك عقلك، وسلم لك أولادك وذريتك، فالجانب الأول جانب الوقاية.

والجانب الثاني: جانب العلاج لمن ابتلي بهذا الداء.

فأما الذين لم يقعوا في هذا الداء فعلينا أن نحرص جميعاً على غرس أمور مهمة في نفوس الناس لمواجهة هذه الحرب التي لا رحمة فيها، ولا هوادة فيها من أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فأولاً: هناك شيء ينبغي غرسه في النفوس يمكن يشكل وقاية ذاتية بإذن الله عز وجل، وهذا ما يسمى بتحصين الفرد في خاصة نفسه، ويكون المنطلق في ذلك الإيمان بالله عز وجل؛ لأن من آمن بالله فهو خير له في الدين والدنيا والآخرة، وما يجلب الإيمان للعبد إلا صلاح أمره واستقامته على رشده، سواء في خاصته أو في عامة الناس، فينبغي غرس العقيدة.

ومن أعظم الجوانب التي يحصن بها الناس عن المعاصي مع الإيمان بالله غرس الخشية من الله، والخوف منه سبحانه وتعالى؛ لأن الخير كل الخير في طاعته، والشر كل الشر في معصيته، وإذا غرست العقيدة -وهي مراقبة الله سبحانه وتعالى- لم يستطع عبد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يمد يده إلى طعمة أو شربة من هذا الداء الخبيث، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) فقال: (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) فدل على أن الإيمان سياج وأن العقيدة حفظ من الله للعبد.

كذلك أيضاً العبادات لها أثر كبير في تحصين الأسرة والجماعات والأفراد من هذا الداء الخبيث: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] فأخبر الله سبحانه أنها تنهى، وأنها خير زاد للعبد، وقلّ أن تجد أباً يوقظ أبناءه للصلوات، ويراقبهم في إقامة الصلاة على وجهها إلا حفظه الله في ذريته، وكما حفظ حق الله في أهله فإن الله يحفظ له قرة العين في أهله وولده، فالله وفي ولا أوفى من الله لعبده.

فلذلك فليحرص العبد كل الحرص على أن يغرس في أبنائه حب الصلوات، وأن يشعرهم أنها حرز لهم من الفواحش والمنكرات، والمصائب والمحرمات، فإذا غرس ذلك في نفوسهم واعتادوها عصمهم الله عز وجل بعصمته، وحفظهم الله عز وجل وكلأهم، حتى إن الصلاة تصعد وعليها نور، وتنتهي إلى ما شاء الله فتفتح لها أبواب السماء، ثم تنتهي إلى ما شاء الله أن تنتهي إليه وتقول: حفظك الله كما حفظتني، فأهل الصلوات في حفظ من الله عز وجل وحرز.

كذلك من العبادات الصيام؛ لأنه يقوي جانب التقوى فالصائم يمنع نفسه من الشراب الحلال، فمن باب أولى أن يستطيع كبح جماحه عن الشراب الحرام، ولذلك الصوم جنة -كما أخبر صلى الله عليه وسلم- ووقاية.

كذلك ذكر الله عز وجل، فيعود الأبناء والذرية على كثرة ذكر الله عز وجل، فالشيطان يسكن البيت الخرب، وهو القلب الخاوي من ذكر الله عز وجل، ويفر من البيت المعمور بذكر الله سبحانه وتعالى، فذكر الله حصن حصين، فهذه الأمور تتعلق بجانب العبادة.

هناك جانب آخر يقوي هذا الجانب الديني، وإن كان الجانب الديني من حيث الأصل هو قوي، ولكن الله لحكمة قد يجعل القوة المادية معينة لقوة الدين، كما قال تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة:٨٧] وقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:٢٥] بعد أن ذكر أنه أنزل كتبه، لكي ينبه على أن القوة الحسية قد تقوي الروح المعنوية.

فكما أن الدين له سلطان هناك أشياء تمنع الإنسان من هذا الداء؛ لأن الخمر أجمعت العقول على نبذها وكراهيتها، حتى إن أناساً في الجاهلية كانوا لا يشربونها، ورأوها تورد الإنسان الموارد، وتنزل الإنسان إلى مستوى البهيمية، وكان عقلاء الناس في الجاهلية لا يشربونها ويكرهونها، ولا يضعونها في أطعمتهم ومناسباتهم، كل ذلك كراهية لها.

فهي من ذاتها تنفر، وهذا يسميه العلماء: التنفير الذاتي، فالتنفير الذاتي يقوي القناعة في نفس الإنسان بكراهيتها والبعد عنها، ولذلك استخدم القرآن هذا المعنى حينما جاء تحريم الخمر بأساليب منفرة، لم يأت تحريماً مباشراً، وإنما قال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة:٩٠]، وبمجرد ما يحس الإنسان أنها قذر ونجاسة ينفر منها، ولذلك صدر الله الآية بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:٩٠]؛ لأنهم هم الذين يستجيبون، وهم أهل العقول والألباب المستجيبة لله عز وجل قال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:٩٠]، ثم قال بعد ذلك: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:٩٠] فجعل التنفير أولاً قبل الحكم الشرعي.

ومن هنا ينبغي أن يهيأ في النفوس التنفير، ومن ذلك ذكر الحوادث والقصص للأولاد الصغار تحذيراً لهم من الصغر من هذا الداء الخبيث، ذكر الحوادث المروعة التي يكون لها وقع في النفوس، حتى يكون أبلغ في زجرهم وكراهيتهم لهذا الداء، ذكر أثرها على النفس وعلى الصحة، ولا بأس أن تكون هناك بعض البحوث يقرؤها على أولاده، ويريهم بعض الصور لبعض الأعضاء المتهتكة، وأحوال بعض الذين -والعياذ بالله- ابتلوا بها، وكيف انتهت بهم إلى أحوال مؤلمة، ونهايات وعواقب سيئة.

نسأل الله بعزته وجلاله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يعيذنا وإياكم من سوء الخاتمة في الأمور كلها.

كذلك أيضاً ينبغي أن تهيأ المجتمعات لحرب المخدرات عن طريق الخطب والمواعظ والمحاضرات والندوات، وليعلم كل إنسان يجند نفسه لهذا الأمر أنه مأجور من الله أجراً عظيماً، وإذا أراد أحد أن يعرف مقدار ما يكون له من ثواب من الوقوف في وجه المخدرات وأهلها فليزر المستشفيات التي آوت من ابتلي بالإدمان بالمخدرات، ولينظر إلى أحوالهم وليعتبر، وليزر المستشفيات فينظر إلى الحوادث وما حصل، كم من أرواح أزهقت! وكم من أموال أتلفت بسبب هذه المادة الخبيثة!! فيهيئ نفسه للغيرة على أبناء المسلمين، والغيرة على حدود الله ومحارمها، فيجب على كل إنسان يعلم بمروج للمخدرات أن ينصحه، ويذكره بالله عز وجل، ويتابعه فإن رآه تاب فبها ونعمت، وإن لم يتب رفع أمره، واحتسب عند الله عز وجل ذلك، ولا يجوز له أن يسكت؛ لأنه إذا سكت أعانه على تدمير أبناء المسلمين، وأعانه على أن يفتك بهذه الأمة، وترويج المخدرات لابد من بيان حكمها الشرعي، فالمروج للمخدرات لو روّج حبة فأزهقت أنفساً وقف بين يدي الله مسئولاً عن ذلك، ولو روّج حبة كانت سبباً في زناً أو في جريمة أو في فحش أو في حرام وقف بين يدي الله حافياً عارياً يسأل عن ذلك.

فإدخال هذا الداء إلى مجتمعات المسلمين، وتدمير مجتمعات المسلمين ما هو إلا معونة لأعداء الإسلام على الإسلام وأهل الإسلام، فعلينا أن ندرك هذه الحقيقة، ولا يختص هذا الأمر بالرجال، بل على النساء والداعيات أن يجندن أنفسهن لذلك، وأن يكون هناك جهات تختص بمكافحة هذا الداء، ووجود هذه الجهات نعمة من الله عز وجل، ونسأل الله بعزته وجلاله أن يبارك جهودهم، وأن يعينهم وأن يبقيهم، لو يعلم الإنسان ماذا سيحدث للمجتمع -لولا الله ثم هذه العيون التي تسهر ضد هؤلاء الذين يدمرون أبناء المسلمين- لحمد الله عز وجل من قرارة قلبه، وسأل الله لهم المعونة في جوف الليل مما يعلم من عظيم بلائهم، وحسن صنعهم للإسلام والمسلمين، فكم من عصابات؟ وكم من أفراد اجتمعوا على الفتك بهذه الأمة؟ لا يراعون فيها إلاً ولا ذمة.

ومنهم من تدمر في نفسه فحقد على مجتمعه فأراد أن يدمر مجتمعه.

فنسأل الله عز وجل أن يهديهم ويصلحهم أو يقطع عن المسلمين دابرهم وشرهم.

وعلى كل حال لابد من التعاون في هذا الأمر، ولا يمكن للداء أن ينقطع ويجتث إلا بالتعاون، وعلى النساء مسئولية، على الداعيات على المربيات على المعلمات وعلى الأمهات مسئولية وعلى الأخوات مسئولية، فعلى النساء أن ينتبهن للمجتمع، وألا ينزوي كل إنسان ويقول: نفسي نفسي! فإنه لا يأمن أن يأتيه البلاء حتى في نفسه، نسأل الله السلامة والعافية.

اتفق لبعضهم والعياذ بالله! من المآسي أن أماً تساهلت مع ولدها، وكان ولدها يتعاطى المخدرات، وكان الولد يتيماً وبلغ، فتساهلت في أمره حتى وقع في يد هؤلاء الأشرار والعياذ بالله! فأعطوه المادة المخدرة، ثم شاء الله عز وجل أنها يوماً من الأيام أحست بآلام غريبة واضطرت إلى اللجوء إلى المستشفى، وإلى الذهاب إلى الأطباء، وفوجئت بالطبيب يقول لها: أنت حامل! قالت: والله! ما زنيت! ولا أذكر أني حملت بعد وفاة زوجي، أنا أرملة! ولي سنوات امتنعت من الزواج من أجل أولادي!! ثم فوجئت بأن ابنها والعياذ بالله! كان يضع لها هذا الداء في شرابها فإذا نامت وقع عليها وزنى بها! هذه أمور عظيمة، هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، وما ستر الله أعظم، فلذلك ينبغي على الأمهات وعلى الأخوات وعلى البنات وعلى المعلمات والمربيات والفاضلات والداعيات أن يقمن بالأمانة والمسئولية، وسيجدون من يدعمهم، وسيجدون من يقف معهم، وقد هيئت الأسباب لذلك، فلا عذر للإنسان في التخلي عن القيام بواجبه ومسئوليته.

ونسأل الله بعزته وجلاله أن يهدي قلوبنا، وأن يصلح أحوالنا، اللهم! ارفع هذا الداء عن البلاد والعباد، اللهم! ارفع هذا الداء عن البلاد والعباد، وأنزل رحمتك علينا أجمعين، واقطع عنا دابر الفساد والمفسدين، يا رب العالمين! إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا م

<<  <  ج:
ص:  >  >>