كثيراً ما نرى أناساً يقومون بعد انتهاء الصلاة فيقطعون على المصلين تسبيحهم، ويقومون بشرح ظروفهم المادية ويتسولون داخل المسجد، فهل هذا جائز؟ وهل يجوز منعهم؟ وما هو واجب إمام المسجد تجاه ذلك علماً أن كثيراً منهم يصطنعون الإعاقة؟
الجواب
بالنسبة للذي يكذب ويصطنع فلا إشكال أنه آذى المصلين في بيت الله عز وجل وكذب، وأخذ أموال الناس بالباطل، ومن سأل الناس تكثراً لم تزل المسألة فيه حتى يلقى الله عز وجل وليس في وجهه مزعة لحم.
والسؤال لا خير فيه ما لم يضطر إليه الإنسان لدين أو نحو ذلك؛ فإنه يسأل، أما هذا الشكل الموجود بمجرد انتهاء الناس من الصلاة يقوم ويصيح ويلغط، فالحقيقة لو مُنع هؤلاء برفق وقيل لهم: اذهبوا إلى باب المسجد، وانتظروا حتى يتصدق الناس عليكم، فالمساجد ما بنيت من أجل عرض حال المرضى وحالات المديونين، ولقد كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يربط على بطنه الحجر، ولربما صرع في المسجد، كما كان حال أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ومع ذلك ما جعلوا المساجد لهذا.
الإشكال هو في الصياح، أما السؤال داخل المسجد لو مر على الناس وسألهم فأعطوه فجائز، لحديث علي رضي الله عنه المشهور، فيخفف فيه، ما لم يصل إلى حد الأذية.
لكن الذي نشاهده بعد السلام مباشرة والصياح واللغط فهو أمر فيه إزعاج، والأشبه أن هؤلاء يُمنعون برفق حتى لا يقع في نهي السائل، وإن كان بعض العلماء يرى أن قوله تعالى:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}[الضحى:١٠] أن المراد به: سائل العلم؛ لأن الله تعالى يقول:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}[الضحى:٦ - ٨]، فقال:((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا)) ثم قال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}[الضحى:٩]، ولما قال:((وَوَجَدَكَ ضَالًّا)) قال: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} ولما قال: ((وَوَجَدَكَ عَائِلًا)) قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:١١]، وهذه مقابلة، والمقابلة معتبرة في نصوص الكتاب والسنة، وإذا قلنا بالمقابلة فإن السائل المقصود به سائل العلم، ولذلك لا ينهر سائل العلم، ودلت على أنه لا يجوز أذية سائل العلم؛ لأن أمره عظيم، ولذلك عاتب الله نبيه من فوق سبع سماوات بسبب الإعراض عن السائل الذي هو عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه.
فالشاهد: أن هؤلاء يشوشون على الناس ويؤذونهم، فذكر بعض الأحوال وبعض القصص، والكشف حتى عن مواضع لا يليق كشفها أمام الناس، فهذا أمر لا شك أنه مؤذٍ جداً، وإذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق، فقد توسع الناس بشكل فظيع جداً، وأعجب من هذا الكذب! ذات مرة قام رجل في مسجد وشكى، ويعلم الله حينما تسمع شكواه يرق قلبك، وكان هذا بعد صلاة المغرب، ففوجئت لما جلس للسؤال، جاءني رجل -هو ليس من المدينة وإنما جاء من مدينة أخرى- جاءني رجل من جماعته، وقال: هذا الرجل يملك ثلاث عمائر بهذه الطريقة التي يكذب بها على الناس، قلت له: أناشد الله أن تصدق فيما تقول، لا تتهم الناس، قال: والله! إني لأعرفه وأعرف أولاده، اسمه فلان بن فلان الفلاني، ويسكن في المكان الفلاني من المدينة الفلانية، وولده الكبير اسمه فلان، اذهب إليه، وقل له: أنت فلان؟ وانظر! وقفت أنا، وليس من شأني هذا، ولكني تألمت جداً أن يكذب على الناس، ويأخذ أموال الناس، وذكر أشياء ليست صحيحة، فقلت: فلان! فالتفت، قال: نعم، قلت: أنت أبو فلان، قال: نعم، قلت: أنت فلان بن فلان، قال: نعم، قلت: تعال أريدك، فسألته قلت: عندك في بلد كذا وكذا عمائر، وأنت رجل غني، فتغير وجهه ولم ينكر، قلت له: الآن تترك هذا المال في مكانه، وتصرفنا معه بما ينبغي، لكن الشاهد: ثلاث عمائر يملكها، ويكذب على الناس، ويأكل أموالهم بالباطل، هذا أمر جد خطير! فلا شك أن هناك من يكذب، وهناك من يتصنع، فنسأل الله السلامة والعافية، فمثل هؤلاء لا يجوز معاونتهم على الباطل، ولا يجوز معاونتهم على الكذب على المسلمين، وأياً ما كان أوصي إخواني ألا يتعجلوا في أذية هؤلاء؛ لأن هناك فعلاً من عنده ظروف قاهرة، وهناك من ألجأته الحاجة، ولذلك يترفق الإنسان حتى لا يؤذي الصادق؛ لأن هناك أناساً هم صادقون، والسبب أن الناس تغيروا، وقل أن تجد من تسأله، حتى اضطر بعضهم إلى أن يقف أمام الناس ويسألهم، فنسأل الله العظيم للجميع التوفيق والهداية، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.