بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب صلاة الاستسقاء].
الاستسقاء: مأخوذ من السقي، والألف والسين والتاء للطلب، كقولهم: استغفر إذا سأل الله أن يغفر له، واسترحم إذا سأل الرحمة من الله عز وجل، والاستسقاء: هو طلب السقيا من الله عز وجل.
ومناسبة هذا الباب لما تقدم أنه بعد فراغه من صلاة الرهبة، وهي الصلاة التي تشرع عند رؤية كسوف القمر والشمس أو خسوفهما ناسب أن يتكلم رحمه الله على صلاة الرغبة، وهي التي يسأل فيها العباد ربهم أن يسقيهم الغيث والحياة، فناسب أن يتكلم رحمه الله على هذه الصلاة بعد ذكره لأحكام الكسوف.
وهذه الصلاة مشروعة لعموم الأدلة التي أمرت بالتضرع عند نزول البلاء وندبت إليه، كقوله سبحانه وتعالى:{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}[الأنعام:٤٣] أي: فهلا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا، فتشرع هذه الصلاة عند حصول الضيق بالناس بسبب ما كان منهم من الذنوب والمعاصي، فيتأخر عنهم القطر من السماء، ويعظم حالهم، وتشتد عليهم المئونة بسبب غور الآبار، وذهاب المياه من العيون، وانقطاع السيول والأنهار، والناس يحتاجون إلى هذه الأمور -أعني الآبار والأنهار- للشرب ولسقي الدواب، ولكي يقيموا عليها مصالحهم من زرع وحرث وماشية ونحو ذلك، فإذا انقطع القطر من السماء تضرر الناس وعظم بلاؤهم بذلك، فشرعت هذه الصلاة؛ لأن الحالة حالة شدة، والله يقول:{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}[الأنعام:٤٣] فهي حالة شدة وبأس، فيشرع أن يتضرعوا ويسألوا الله رحمته ومن واسع فضله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن حبان وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى: أن استسقاءه عليه الصلاة والسلام وقع سنة ست من الهجرة، وذلك في شهر رمضان، فاستسقى عليه الصلاة والسلام بالمسلمين حينما شكى إليه المسلمون تأخّر الغيث، وكذلك تضررهم بالجدب، فشرعت هذه الصلاة بفعله عليه الصلاة والسلام، ولها أحكام ومسائل.
ومن ثم اعتنى الفقهاء رحمهم الله بذكرها في كتاب الصلاة؛ لأنه يشرع أن يصلى لها، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن صلاة الاستسقاء تكون ركعتين، إلا خلافاً ممن لا يعتد بخلافه من أهل البدع والأهواء، حيث قالوا: إنها أربع ركعات.
وأما مذهب السلف والخلف فهو أنها ركعتان لثبوت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعلهما دون زيادة عليهما.