للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشروعية الرهن]

الرهن مشروع وجائز، وقد دل على جوازه دليل الكتاب، ودليل السنة، وإجماع الأمة، فإن هذا النوع من المعاملات المالية شرعه الله في كتابه، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:٢٨٣]، فقوله سبحانه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:٢٨٣]، يدل دلالة واضحة على أنه إذا أراد صاحب الدين أن يستوثق بدينه بالعين وبالرهن فإن ذلك مشروع وجائز.

كما دل دليل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك كما في الصحيح من حديث أنس: (أنه عليه الصلاة والسلام توفي ودرعه مرهونة في آصُعٍ من شعير، استدانها عليه الصلاة والسلام من يهودي)، فقد استدان من اليهودي هذا القدر من الطعام، ورهن عنده درعه، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.

وقال عليه الصلاة والسلام: (الرهن محلوبٌ ومركوبٌ بنفقته)، فبيَّن أحكامه وآثاره، فدلّت هذه السنة على مشروعية الرهن، وقد كان الناس في الجاهلية يرهنون، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقرّهم على ذلك، فاجتمع دليل الكتاب ودليل السنة القولية والفعلية والتقريرية.

أما دليل الإجماع: فإن العلماء رحمهم الله قد أجمعوا على أن الرهن مشروع، لكنهم اختلفوا في جواز الرهن في الحضر، فمنهم من يقول: هو مشروعٌ مطلقاً، سواءً كنت في سفر أو كنت في حضر، أي: أنه يجوز للمسافرين أن يرهنوا، ويجوز للمقيمين أن يرهنوا، فلو أن اثنين في داخل المدينة استدان أحدهم من الآخر مالاً، فطلب منه رهناً، شُرع ذلك.

وقال بعض السلف -كما هو قول مجاهد وغيره-: إن الرهن لا يجوز إلا في السفر، وهو قول ضعيف؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استدان، ورهن في الحضَر، فدلّ على مشروعية الرهن في داخل المدن، وأنه لا يختص جوازه بالسفر على ظاهر القرآن، والجواب عن آية البقرة، وهي آية الدين: أنها جاءت بالوصف الغالب، والقاعدة في الأصول: أن النص إذا خرج مخرج الغالب، فإنه لا يعتبر مفهومه، بمعنى: أن الآية بيّنت حكم الرهن في السفر؛ لأن الغالب أن الرهن يُحتاج إليه في الأسفار، وأما بالنسبة للحضر، فغالباً ما يكون التعامل بين الأشخاص الذين يأمن بعضهم ببعض ويثق بعضهم بعضاً، وتكون التجارات بينهم حاضرة في الغالب، والنص -كما سبق- إذا خرج مخرج الغالب لم يُعتبر مفهومه.

أو نقول: دل الكتاب على مشروعية الرهن في السفر، ودلّت السنة على مشروعية الرهن في الحضر، فهذا نوع من الرهن، وهذا نوع من الرهن، فلا بأس أن يرهن في الحضر، كما لا بأس أن يرهن في السفر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>