[الرجوع إلى التعيين في اليمين عند انعدام النية والسبب]
قال رحمه الله: [فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين] إذا: هناك ثلاثة أشياء: - النية.
- السبب.
- التعيين.
والتعيين: أن يعيّن الشيء، وهو ضد الإبهام، فإذا قال: والله لا آكل هذا اللحم.
والله لا ألبس هذا الثوب.
والله لا أكلم هذا الرجل لا أُكلم هذا الصبي لا أُكلم هذه الجارية.
فهذا تعيين، والمعين لا ينصرف إلى غيره؛ لأن مرادهم بعينه وذاته، وعين الشيء ذاته.
قوله: [فإذا حلف: لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداءً أو عمامة ولبسه] أي: لو حلف على ذلك الشيء بعينه كأن يقول: لا لبست هذا القميص، ومادة القميص من القماش، إذاً انصب عليها اليمين، فلو أن هذا القميص غُيِّر وفُصِّل سروالاً حنث بلبسه؛ لأنه قال: هذا، فاختص بالتعيين وتقيد به؛ لأن اليمين بالتعيين، فمهما تغير في شكله فذاته موجودة، وانصب المنع على الذات، وحينئذٍ لو تغيرت إلى أي حال فإنه يبقى الحكم معلقاً بها، فيحنث إذا لبسه على أي صورة.
وكذلك لو جعل هذا القميص رداءً أو عمامة، فإنه يحنث بلبسه، والعكس إذا جعل السروال قميصاً، فالمادة موجودة والحكم واحد في هذا.
قوله: [أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً] أو صار رجلاً لأن الحكم متعلق بعين الصبي ولا يختلف.
قوله: [أو زوجة فلان هذه، أو صديقه فلاناً، أو مملوكه سعيداً، فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم] لو قال: والله لا أكلم زوجتك.
فليس كقوله: والله لا أكلم هذه الزوجة.
فلو قال: لا أكلم زوجتك.
فقوله: زوجتك لفظ عام، فإذا لم تكن هناك نية وأخذناه على ظاهر اللفظ، فكل زوجة يتزوجها هذا الرجل بمجرد أن يعقد عليها وتدخل في عصمته، فإنه يحنث بكلامه معها بأقل ما يصدق أنه كلام.
فكل امرأة عقد عليها ذلك الشخص فإنه يحنث بكلامه لها، وبمجرد أن تخرج من عصمته وتنتقل عنها، فحينئذٍ إذا كلمها لا يحنث؛ لأن الوصف متعلق بكلام زوجة هذا الرجل، وحينئذٍ متى ما كانت زوجة لهذا الرجل حنث بكلامها، وإذا زالت هذه الصفة من الزوجة لم يحنث، أما إذا قال: لا أكلم زوجتك هذه.
صار الأمر متعلقاً بالزوجة بعينها، فلو طلقها أو بانت منه، فإنه في هذه الحالة لو كلمها فإن اليمين ما زالت منعقدة فيحنث بكلامها، حتى لو تزوجت غيره فإنه لا زال اليمين متعلقاً بالعين فيحنث بكلامها.
قوله: (أو مملوكه سعيداً).
لو قال: لا أكلم مملوكاً لك.
فهذا عام، أي: كل عبد يملكه هذا الشخص، فبمجرد ما يشتريه يحنث بكلامه بأقل ما يصدق عليه أنه كلام، لكن لو قال: لا أكلم مملوكك سعيداً وعيّن، أو مملوكك هذا وعين وخصص، فحينئذٍ كما ذكرنا، لو أنه أعتقه ما زال الحكم متعلقاً بعين المملوك، فيحنث بكلامه.
قوله: (فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) الأصل أنه يحنث حتى بعد زوال هذه الأشياء كما ذكرنا وفصلنا.
قوله: [أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً].
لأن اليمين متعلقة بلحم الحمل، فحتى إن أكله بعد أن صار كبشاً، فإنه يحنث؛ لأنه قد انصبت اليمين على لحمه.
قوله: [أو هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلاً].
لو جيء لشخص برطب فقال: والله لا آكل رطباً.
فرُفِعَ هذا الرطب ثم صار تمراً بالحرارة وبالتأخر وجيء به إليه، فقيل له: كل.
فأكل، فإنه لا يحنث؛ لأن الأمر متعلق بالوصف الذي هو رطب، ولو قال: والله لا آكل الرطب وقيل له: على هذه النخلة رطب اصعد وكله.
قال: أنا حلفت أن لا آكل الرطب، ثم صبر حتى صار تمراً فصعد وأكل، فإنه يحنث لو صعد وهو رطب وأكل منه، ولا يحنث في الثانية؛ لأنه أكل تمراً؛ ولأنه حلف على الرطب، لكن لو قال: والله لا آكل هذا الرطب، فإنه في هذه الحالة يحنث إن أكله رطباً أو تمراً.
[أو هذا اللبن فصار جبناً أو كشكاً أو نحوه ثم أكله حنث في الكل] وهكذا بالنسبة للبن، يعني يستوي أن ينتقل عن حاله بفعل المكلف أو ينتقل بطبعه، كما ذكرنا في الرطب والتمر، حنث في الكل [إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة] إذاً النية من أقوى ما تكون، ونحن لا نتكلم هنا على قوة السبب.
وعلى هذا يحنث في الكل كما ذكرنا؛ لأنه قصد عين المحلوف عليه.
وإذا كانت له نية فقال: والله لا أكلم زوجتك فلانة، وهذا لأنه رأى أن الرجل متضايق منه بسبب خصومة أو شيء، فقصد في نيته أن هذه المرأة سيئة تسبب مشاكل، فقال: والله لا أكلم هذه الزوجة، وهو يقصد مدة كونها زوجة له، فحينئذٍ هناك تعيين في السبب، ولكن النية أخص من السبب؛ لأنه لم يقصد عين المرأة، وحينئذٍ إذا زالت الزوجية يجوز له أن يكلمها ولا يحنث.