ووصف المتحرك بغير المشروع في صلاته بكونه عابثاً، لأن الأمر يقتضي منه ما هو أشرف وأكمل من اشتغاله بهذا الشيء.
فمثال العبث: أن يصلح ثوبه من دون حاجة، كأن يبالغ في تعديل عمامته على رأسه، أو ينظر إلى ساعته، أو يُحرِّكها كما هو حال بعض الناس اليوم أصلحهم الله.
ومن العبث كثرة تحريك الأرض، وإصلاح السجاد عند السجود، وكثرة العبث بها، واشتغاله بحركة يديه على فخذه إذا كان جالساً في التشهد، أو بحركة يده بثوبه إذا كان قائماً بين يدي الله عز وجل في حال وقوفه، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن في الصلاة لشغلاً)، أي أن المكلف ينبغي عليه أن يشتغل بأمر الصلاة، وشأن الصلاة وحالها يشغل.
فقد أُثِر عن علي زين العابدين أنه كان إذا توضأ تغيّر وجهه فاحمرّ، فقالوا: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ قال: ألا تدرون من أناجي؟! فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل فهو في شغل، وهو أشرف الأشغال وأعظمها وأجلها وأكرمها، كما قال العلماء، هو الشغل الذي خُلِق من أجله، وهو العبادة، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦]، فهذا هو الشغل وأَنعِم به من شغل، فكونه ينصرف عما هو بِصَدَدِه من الإقبال على الله عز وجل إلى تحريك اليدين، أو العبث بالفخذ، أو العبث بالساق، أو كثرة الحركة، أو الترنُّح أثناء الوقوف فكل ذلك مما لا يليق بالمصلي.
فإذا كان العبث يكثر منه إلى درجةٍ لو رآه إنسان لظن أنه في غير صلاة حُكِم بكونه قد بطلت صلاته، أما لو كان عبثه يسيراً فإنه حينئذٍ يكون بين درجة الحرام ودرجة المسنون وهو المكروه، فقالوا: يُكره.
فالعبث الذي يريده المصنف هنا رحمة الله عليه هو العبث الذي لا يخرج المصلي عن كونه مصلياً، أما لو بالغ في العبث فحينئذٍ تبطل صلاته.
فلو قال قائل: ما دليلكم على أن الحركة اليسيرة لا تُبطِل الصلاة ولو لم تكن من جنس الصلاة؟ قلنا: ثبوت السنة بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقف في صلاة الليل ووقف معه ابن عباس أخذ يفتِل أذنه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا نوع حركة وهي خارجةٌ عن الصلاة، وهذا يدل على أنه لا حرج.