وكان ابن المشتري عظيمَ النعمة، كثيرَ الإفضال على أهل العلم، شافعي المذهب، فلمّا وصلَ السرخسي إلى "البصرة"، وبها الوزير أبو الفرج بن فسانْجس، ولقبه ذو السعادات، وكان فاضلا أديبا، فكتب إلى القاضي أبي الحسين ابن المشتري مظهرا للتعجّب من استخلافه، ويقول: ولَّيتَ رجلا غريبًا فقيرًا، على بلدٍ فيه ذَوُو الأنساب والأموال والعلوم!
فلما ورد الكتابُ على ابن المشتري قرأه، وأمسكَ، فقالَ الحاضرون: ينبغى أن تكتب إلى الوزير، وتعرفه بموضعه من العلم والدين. فقال ما يحتاج إلى هذا، وما يتأخر كتابُه بشُكْرِي على ولايته، وإن كان ما عرفه، فسيعرفه.
فلمّا كان من الغد جاءه كتاب يعتذر بما كتب به، ويعتدّ له باستخلافه. فقال ابن المشتري: رآه في أول اجتماعهما نحيفَ الجسم، منقطع الكلام، فلمّا ازدراه كتب ذلك الكتاب، ثم اعترفَه، فعرف هديَه وعلمَه، وما خفى عليه ذلك في بكرة يوم وعشية.
وكان ذو السعادات ينفق عليه الفضلاء، وبالفضل تقدّم عنده رئيس الرؤساء أبو القاسم على بن الحسن ابن المسلمة، حتى سعى له في وزارة الخليفة، وسأل ذو السعادات أبا بكر السرخسي، فقال ما تقول في رجل شَوَّه باسم الله الأعظم، فكتبَ في أول كتابه ما هذه صورته:"مع".
فقال له في الجواب: يكره للناس أن يكتبوا في أول الرِّقاع الاسمَ المحقّق، لأن الأيدي تتداولُه، والناس يبتذلونه، ويطرحونه، وكرهوا أن يخلوَ الموضعُ من شئ يكتب، ليعلم أنه أول الحساب. فاستحسنَ ذلك الوزيرُ.
قال الهمذاني: وحكى أبو عمر محمد بن أحمد النهاوندي أحد المعدَّلين بـ "البصرة"، قال: ولي أبو بكر السرخسي قضاءَ بلدِنا نوبتين، عزل نفسَه في إحداهما، ومضى إلى "رامهرمز"، وقصد أبا الفضل الجواليقي،