إطباق الحُفاظ الذين جمعوا في رجال الكتب الستة وغيرهم من الأئمة المحدثين، على إسقاط الجرح في ترجمة أبي حنيفة
ثم قد أطبق الأئمة الحُفاظ الذين جمعوا رجالَ الأصول السِّتَّة، ودوَّنوا دواوينهم فيها، على الثناء على أبي حنيفة رحمه الله تعالى، والتبجيل، والتعظيم المفْرِط له، دون الحَطِّ عليه والطَّعْنِ فيه بسوءَ الحفظِ والغفلة، بل إنهم يذكرون حِفظَه وجلالته في العلم، ويذكرونه بكل خير، فهذا يدل على أنهم لا يبالون بطعن طاعنٍ فيه أيًّا مَن كان.
فهذا الإمام الحافظ المِزِّيّ يوسف بن الزَّكي عبد الرحمن، أبو الحَحَّاج جال الدين مُحدِّث "الشام"، العالم الحَبرُ الحافظ الأوحدُ الدمشقي الشافعي عَمِلَ كتاب "تهذيب الكمال"، وذكر فيه ترجمة الإمام أبي حنيفة، فأطال فيها، وكل ما نقله الحافظ السيوطي في "تبييض الصحيفة" معزوا إلى الخطيب، إنما هو منقول من كتابه "تهذيب الكمال".
وعامة ما ذكر في "تهذيب الكمال" من أقوال أئمة الجرح والتعديل، هو منقول من "كتاب الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"الكامل" لابن عدي، و"تاريخ بغداد" للخطيب، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر.
والجدير بالملاحظة أنه لم يذكر الإمام المزِّيُّ في كتابه "تهذيب الكمال" شيئا لا يليق بمكانة الإمام أبى حنيفة، فلله درُّه ما أدقّ نظرَه! كيف لا يكون ذلك، وقد قال الذهي في حقِّيه في "تذكرة الحفاظ"(١): "وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها، والقائم بأعبائها، لم ترا العيون مثله".