لقد يسَّر الله سبحانه وتعالى للشَّيخ محمَّد تقيّ ما يسَّير للعلماء الصالحين الأفاضل، من أسرةٍ علميَّةٍ كريمة، وأساتذة أخيار بررة، ومواهب شخصيةٍ فذَّة، وفرصةٍ كافيةٍ للاستفادة العلمية، ودراسةٍ معمَّقة في العلوم العصرية إلى جانب العلوم الإسلامية، ثم تجارب متتالية من خلال رحلات علمية إلى مختلف دول العالم، حيث أتاحت له أن يلتقّى كبار علماء العالم الإسلامي.
وقد شهدت مدة ما بعد رحيل الاستعمار الغربي عن البلاد الإسلامية فجوةً بين منهجي التَّعليم الإسلامي الأصيل والتعليم المدني الحديث، وظهرت الحاجة إلى إيجاد حلقة علمية تجمع بين الثَّقافة الإسلامية العميقة ودراسة العلوم العصرية الدَّقيقة، فانبرى لذلك ثلَّة من العلماء والمفكّرين الكبار، وعلى رأسهم الشَّيخ محمَّد شفيع - رحمه الله - الذي خطا خطوات جادَّة في هذا المضمار، ثم استنهض همة نجله الذَّكي الشَّيخ محمَّد تقيّ بعدما نهل من دراسة العلوم الشَّرعية للدخول في مضمار الدِّراسات الحديثة، واختار له الاقتصاد والسِّياسة والقانون.
وأبلى الشَّيخ محمَّد تقيّ في هذا الصَّعيد بلاء حسنًا، واستطاع بتوفيق الله أن يتقن هذه الموادّ العلمية الثَّلاث إتقان خبيرٍ محنَّك، ثم أكبَّ على إعمال الثَّقافتين إعمال النَّحل في عصارة الَّزهر، فجاء بنتاجٍ علميٍّ سائغٍ، من مزيج عناصرَ مستقاةٍ من العلوم الإسلامية الأصيلة، وتتجلَّى هذه المزيَّة في خدماته الفقهية التي ما زال يقدِّمها إلى الآن.
ومن ناحية أخرى فقد كان له ذوقٌ أدبيٌّ رفيعٌ في اللُّغات العربية، والأردية، والإنكليزية، فكان أن سخَّر ذوقَه الأدبي لخدمة الموضوعات العلمية الجافة، فيأتي بالموضوع العلمي الدَّقيق في ثوب أدبي تتسارعُ معانيه إلى الأذهان.