ذلك تراه صابرًا راضيًا، يشكر الله تعالي، الذي حفظ عليه دينه، ولا يشكو مما كان يتعرض له أحيانًا من نفر، لا خلاق لهم من الأخلاق، يحاربونه في مرتب ضئيل، ويشنّون عليه غارات شعواء، انتهت كلها إلى أن أصبحت هباء، وبقي الشيخ راسخًا رسوخ الطود، ماضيًا فيما عاهد الله تعالى عليه، من ذبّ عن دينه، وحفظ لدعائم تنزيهه، فلا يخرج من الدنيا، حتى يكون سجل تعاليمه الخالدة النافعة الرائعة الناصعة في سطور تآليفه وصدور تلاميذه.
وصفه وصفًا دقيقًا:
كان رحمه الله طويل القامة، ضخم الهامة، ممتلئ الجسم في غير بدانة، خفيف العارضين، قصير اللحية، أشيب الشعر، جميل الصورة، حديد السمع والبصر، بديع الذاكرة، جميل الخطّ، فقد كان خطّه يُقرأ بسهوله لضبط قواعده، وحرصه على مواضع النقط من الحروف، فكأن دقته في تحقيقاته وعلمه، كانت تنعكس على الأوراق، حين يرسم عليها حروفا ظاهرة جليّة، وكان يجيد اللغات العربية والتركية والفارسية والجركسية، وكان إذا تكلّم بالعربية تبدو عليه مسحة طفيفة من اللكنة الأعجمية، ولكن كلامه كان واضحًا في عامية العربية وفصيحها، وإذا تكلّم بالفصحى أقام الإعراب، وفي بعض الأحيان كنت آخذًا عليه تعبيرًا أو جملة، فيقول:(أعجمي يا شيخ سيبك من نقده)، حتى إذا ظننت أني ظفرتُ به أتى بشاهد عربي يؤيّد وجهة نظره، ومن ثم أصبحت أنا وكثير من تلامذته لا نعارضه في تعبير لثقتنا بأنه مستند فيه إلى شاهد لغوي متين.
وبالجملة، فقد كان عالي الأسلوب، دقيق العبارة، متين التركيب، يختار من الألفاظ ما يحسن به أداء المعني، كما أنه كان يقول الشعر، ولكنه لم يكن