للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى "أجمير" تركت حضرة الشيخ يسكن تلك الدار، يشاركه فيها آحاد من الناس، ثم تفرقوا جميعا عنه، وكان يكون الباب مسدودا، يرجع حضرة الشيخ إلى الدار ليلا، فينزع الباب ليدخلها، ثم يعيده إلى مكانه، فيبيت الليل، فإذا أصبح نزع الباب ليخرج ثم يعيده إلى مكانه، وقضى أشهرا في نفس الدار.

[زهده في الاهتمام بذاته]

جبل حضرة الشيخ على حبّ العزوف والعزلة عن الناس، فعزّ على الناس مخاطبته، والحديث معه، وشبّ على ملازمة الصمت والسكوت، فيها به من رآه، ولا يفاتحه، فهو -رغم خفة روحه وسماحته- يبدو عابسا كئيبا، لا يسع أحدا أن يطلع على ما هو فيه من عسر أو يسر، وهو بدوره لا يبوح به لأحد، وربما أصيب بمرض، ولا يدري ذلك أحد، إلا أن تشتدّ وطئته، فيلمسه من يلمس، ويخفى على كثيرين، أما هو فلا يطلع عليه أحدا بلْه التداعي والعلاج.

من الطرائف ما حُدّتتُ أن حضرة الشيخ كان يعمل في مطبعة الشيخ أحمد على، فيناديه البعض بحضرة المولوي، فلا يجاوبه، فإذا نودى باسمه تهلّل، وأقبل عليه كليا، فقد كان يزعجه كثيرا أن يقابله الناس بمزيد من التعظيم والاحترام يتبسط إلى الجميع، ويعاشر أصحابه وذويه معاشرة الإخوان، ولا يخصّ نفسه بتوقير زائد، يقوم به الناس تجاهه، ولا يتقيد بزيّ العلماء الكبار من القميص والعمامة. وقال ذات يوم: لقد أفسد عليّ هذا العلم، ولقد وددت أن أفني نفسي، فلم يعرفها أحد.

أقول: رغم هذا الصيت الذائع ما عرفه من عرفه، فكم من فضل ناله، وخفى عن أعين الناس، إلا ما ندر، فصدق ما قاله، وكان يتحاشى عن الإفتاء بلْه التوقيع والختم عليه، وإنما يحيل السائل إلى غيره من العلماء، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>