على أن عادة محمد فيما يرويه عن أبي يوسف بعد هذا التجافي أن يقول حدّثني الثقة يريد أبا يوسف، فكيف يمكنه أن يصف أبا يوسف بالثقة على تقدير صدور تلك المخازى منه!
هكذا تكون الأكاذيب مصحوبة في الغالب بما يظهر اختلاقها، ولعل عذر السرخسي في سرده الأقصوصة على هذا الوجه أنه كان المجلس بعيدا عن الكتب، وإنما كان يملي ما يمليه عن ظهر القلب، وكانت تلك القصة علقت بذهنه من قبل بعض كتب الأسمار، ولم يتسع وقته لتمحيصها، فوقع في أحبولة تخليدها فيما يمليه، وكنا نعهد منه جبلا من جبال العلم، لا يتزحزح في أبحاثه الفقهية، فعز علينا أن نراه يملى مثل هذه الأخلوقة المكشوفة في كتابه الخالد، لكن أبي الله أن يصح إلا كتابه، كما قال الشافعي للمزني حينما عرض الرسالة عليه مرات، وكان الشافعي يجد في كلّ مرة ما يصلحه فيها، فقال: دعها، فإن الله أبي أن يصح إلا كتابه أو ما هذا معناه (١).
[إيراد الجرح والجواب عنه]
قال الذهبي في "الميزان": ليَّنه النسائي وغيره من قبل حفظه. يروى عن مالك بن أنس وغيره، وإنه كان من بحور العلم قويا في مالك. اهـ.
قلت: تشدّده معلوم.
قال المحدّث الكبير العلامة ظفر أحمد العثماني التهانوى في "قواعد في علوم الحديث": فما له لا يكون قويا في أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما من مشايخ "الكوفة"، وقد صحبهم أكثر مما صحب مالكا؟ وهل هذا إلا تحامل.
(١) راجع: التعليق على مقدمة كتاب العلم ص ١٦٢، ١٦٣.