وإنما شرحتُ بعضَ ما قرأه على والده دون غيره من الشيوخ الكثيرين، الذين أخذَ عنهم، واستفادَ منهم، وفيهم النَّبَغَة الكَمَلة، لأنه كان معروفا أنه لا يقرء على الشيخ محمد الزرقا إلا أفذاذ العلماء النبهاء، فالقراءة عليه كانت بمثابة الشهادة العلمية العليا بالعلم، لمن يقرأ عليه، ويرتاد حلقته، ويقتبس من فيض معارفه وعلومه.
[نهوضه بالتعليم والتدريس]
ولما بلغ والد الشيخ أحمد:(الشيخ محمد) سنّ الشيوخة، وجاوزَ الخامسة والسبعين من العمر، اعتزلَ التدريسَ لكبر سنّه، ولضعف الشيخوخة الذي ما عاد يتمكّن معه من الاستمرار على ما كان عليه من الجولان العلميّ الرفيع، الذي تميّزتْ به دروسه ومجالسه.
فتوجّهت الأنظار إلى نجله الشيخ أحمد، ليقوم مقام والده، ويملأ الفراغ الكبير الذي كان بسبب تخلّي والده عن التدريس، فأُسْنِدت إليه وظائفُ والده في المدرسة الشعبانية، وفي جامع آل الأميري (جامع الخير)، وفي الجامع الأموى الكبير، والتفَّ عليه فريقٌ من تلاميذ والده القدماء المتفقّهين، الذين شاهدوا فيه التقدّم والنبوغ والضلاعة في الفقه، ولازموا دروسه مع آخرين من الطلّاب الجُدُد، فنهض بالأمانة على الوجه الأكمل، وتلقّى رأية العلم باليمين، وقاد الأفواج التي كانت تؤمّ والده، فحلّ محلّ والده في نشر العلم والفقه على أحسن وجه.
وكان إلى جانب فقاهة النفس التي أكرمه الله بها، والحصيلة العلمية الفقهية الثرة التي اكتنزها من والده: كثيرَ المطالعة في أمّهات كتب الفقه مطبوعها ومخطوطها، وما كانت مطالعته لها تلهيا أو تسلية