بها، وإنما كان يقرءها كالمطالَب بنقدها وهضمها وتقديم الاختبار منها، كما عَهِدَ ذلك من والده.
وكان له وَلَع شديد بتحقيق الأحكام، والوصول فيها إلى الغاية تمحيصا واستدلالا وتعليلا، مع التوجّه الدائم إلى معرفة الفروق الفقهية بين المسائل المتشابهة في الظاهر وأحكامُها مختلفة. وكان له دقّة نظر بالغة في توجيه تلك الفروق، شهد له بها أكابر المحصّلين من الشيوخ والطلبة، وكان له غرام فريد في تخريج الفروع والمسائل، وتنزيل الحوادث على الأصول والقواعد الفقهية.
وكان يبسط هذا كلّه في دروسه وحلقاته العلمية بين يدي الطلبة، ليفقّههم وتستنير ملكاتهم العلمية به، فتغدو لهم ملكة فقهية متأصّلة في نفوسهم، تُسْعِفُهم في كلّ باب من أبواب الفقه، وكان يحبّ منهم المناقشة الهادفة، لأنه كما قال الخليفة المأمون العبّاسى: العلم على المناقشة أثبت منه على المتابعة. وكان جمّ التواضع للطلبة، يعلّمهم الفقه تدريسا، وآداب العلم والعلماء مجالسة ومحاورة وتحديثا.
وكان لديه خبرة فائقة في كتابة الصكوك العقدية، دقيقا في توثيقها وتمتينها، واستيفاء شرائطها، حتى لا يرى فيها خلل، يُنْفَذ منه إلى إبطالها، بصيرا بنقد الأقضية، التى تصدُر عن المحاكم، فكان مرجعا للقضاة وذوي القضايا الشرعية، وقد اقتبس هذا من والده، الذي كان فريدا في هذا الباب.
وبعد الحرب العالمية الأولى، والاحتلال الفرنسى للبلاد السورية بنحو سنتين، أنشأت مديرية الأوقاف الإسلامية بـ "حلب"، أول مدرسة شرعية نظامية، في بناء مدرسة وفقية كبرى، هي المدرسة الخسروية، التى أخرجت