قد يجئ في بعض المواضع "نيف" و"بضع"، مثل قولهم: نيف وعشرون، وهو بتشديد الياء، ومن قال: نيف بسكونها، فذاك لحن، وهذا اللفظ مُشتق من أناف على الشئ، إذا أشرف عليه، فكأنه لما زاد على العشرين كان بمثابة المشرف عليها، ومنه قول الشاعر:
حَلَلْتُ برَابِيةٍ رَأسُهَا … على كُلِّ رابِيَةٍ نيَفُ
واختلف في مقداره، فذكر أبو زيد أنه ما بين العقدين، وقال غيره: هو الواحد إلى الثلاثة.
قال الصفدي: ولعل هذا الأقرب إلى الصحيح.
وقولهم: بِضع عشر سنة، البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: بل هو ما دون نصف العقد، وقد انزوى القول الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ}، وذلك أن المسلمين كانوا يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يميلون إلى أهل فارس، لأنهم أهل أوثان، فلما بشَّر الله تعالى المسلمين بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، سُرَّ المسلمون بذلك، ثم إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه بادر إلى مشركي قريش، فأخبرهم بما نزل عليهم فيه، فقال أبي بن خلف: خاطرْني على ذلك، فخاطره على خمس قلائص، وقدر له مُدة الثلاث سنين، ثم أتى النبي صلى اله عليه وسلم، فسأله كم البضع، فقال: ما بين الثلاث إلى العشر، فأخبره بما خاطر به أبي بن خلف، فقال: ما حملك على تقريب المدة؟، فقال: الثقة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم:"عُدْ إليهِمْ فَزِدْهُمْ في الخَطْرِ وَازْدَدْ في الأجَلِ"، فزادهم قلوصين، وازداد منهم في الأجل سنتين، فأظفر اللّه تعالى الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني، تصديقا لتقدير أبي بكر رضي الله عنه،