ثم قال أضرب لك مثلا: رجل مرّ بثعب يسيل ماء، فأصاب ثوبه قال أبو حنيفة: ثوبك طاهر، وصلاتك تامة، حتى تستيقن أمر الماء، وقال لك سفيان: اغسله، فإن بك تجسّسا فقد طهر، وإن بك نظيفا زاده نظافة، وقال لك شريك: اذهب فبل عليه، ثم اغسله. اهـ. وتلك نماذج من آرائه وأجوبته.
[منع زفر العامة من الخوض في مضايق المباحث الكلامية]
أنبأ ابن أبي العوام عن الدولابي، عن محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد، سمعت زفر بن الهذيل، وسأله رجل، فقال له: القرآن كلام الله. فقال له الرجل أمخلوق هو؟ فقال له زفر: لو شغلك فكر في مسألة أنا فيها أرجو أن ينفعني الله بعملها لشغلك ذلك عن ذلك الذي فكرت فيه، والذي فكرت فيه، والذي فكرت بلا شكّ يضرّك، سلم الله عزّ وجلّ ما رضي به منك، ولا تكلّف نفسك ما لا تكلّف.
وبه عن الحسن بن زياد، وقد قال له رجل من أهل "بغداد": أكان زفر قيّاسا، فقال له الحسن: وما قولك: قيّاسا؟ هذا كلام الجهّال، كان عالما. فقال الرجل: أكان زفر نظر في الكلام؟ فقال سبحان الله ما أسخفك! تقول لأصحابنا: إنهم نظروا في الكلام، وهم بيوت العلم والفقه، إنما يقال: نظر في الكلام فيمن لا عقل له، وهؤلاء كانوا أعلم بحدود الله عزّ وجلّ، وبالله من أن يتكلّموا في الكلام، الذي تعني، وما كان يهمهم غير الفقه (١) والافتداء بمن تقدّمهم.
(١) والفقه: معرفة النفس ما لها وما عليها فيشمل باطلاقه العمل والعقيدة والخلق عند أبي حنيفة بل كان يسمى ما يتعلق بتمحيص العقيدة الصحيحة الفقه الأكبر وكان الذي يأباه أصحابه هو الخوض في مثارات الشبه في الاعتقاد عند العامة بدون حجة قائمة من الكتاب والسنة والنظر العقلي الصحيح (ز).