عاجلًا وإن آجلًا، ولو يوم تعرض خفايا الصدور، أن ابن تيمية كان من اللاعبين بدين الله، وأنه في جلّ فتاواه كان يتّبع هواه، وحسبك فساد رأيه في اعتبار السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة (١).
وقد كان المترجم في كل ناحية تعرض لها بتأليف أو تعليق يفيد وبجيد، وقد يكون هذا ميسورًا لغيره إذا راجع وبحث، ولكن عبقرية المترجم كانت في سرعة ردّه وحضور ذهنه في كل ما يوجّه إليه من أسئلة أثناء المحاورات العلمية المختلفة، فكان دائمًا إما يقطع بالجواب الشافي، أو يحيل إلى المرجع الوافي، وكان إذا تكلّم في موضوع علمي تدفق كالنيل في فيضانه، وحينئذ لست ترى المتكلّم عالما واحدًا بل ولا جماعة من العلماء، وإنما هو دار كتب قيّمة تعرض على روّادها نفائسها في دقّة وترتيب وإبداع وأمانة.
تعصّبه المزعوم:
دعاني إلى جلاء هذه النقطة ما نسب إلى الشيخ من التعصّب، والتعصّب لا يعدو أن تكون غايته الاستمساك باليقين، والذبّ عن الدين، فهذا فرض لازم على كلّ مسلم لدينه وعقيدته، أو أن يكون تعصّبًا مذمومًا للهوى ونزغ الشيطان، وهذا ما عصم الله تعالى أستاذنا منه. وكتبه وتآليفه شاهدة جميعها بأن تعصّبه كان لله ورسوله -ونِعم التعصّب هذا، فإن أبا
(١) انظر عبارته الوقحة بهذا النص في ص ١١٨ من الجزء الأول من مجموع فتاواه، طبع بمطبعة كردستان بمصر سنة ١٣٢٦ هـ، ولابن تيمية عجائب غير هذه، منها وقوعه في الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فكأنه أراد الجمع بين غلاة النواصب في بغض عليّ عليه السلام ومتطرفي الشيعة في بغض عمر رضي الله عنه.