وقد عرض عليه في السنة الأخيرة من حياته أستاذان من أساتذة الجامعة، هما أبو زهرة والخفيف أن يلقى بعض الدروس في الشريعة بجامعة فؤاد الأول، فاعتذر وألحا فأصرّ، فلما عاتبته في ذلك، قال: إن هذين الفاضلين عرضا ما عرضاه لاطمئنانهما بأني سأقوم بواجب التدريس كما ينبغي، وصحتي لا تسمح لي بذلك الآن، ولا أستحلّ لنفسي، وقد أوشك الأجل على الانتهاء أن ألتزم القيام بأمر أثق بأني عاجز عنه، اهـ.
قلت: ولو أن كل مسلم امتنع من أخذ أجر ما لا يقوم به لامتلأت خزائن الدول الإسلامية، ولا سيما الحكومة المصرية مما يتوفّر لها من ذلك.
وقد ظلّ طول إقامته بـ "مصر" يؤلّف، ويدرّس، وينصح، ويرشد ما وجد إلى ذلك سبيلًا.
وكان يشير على تلامذته بطبع النافع من الكتب ونشرها، وكان ممن سمع له السيد عزّت العطّار، فطبع كثيرا من نفائس المخطوطات بإشارته.
وكان المغفور له الصديق النبيل الشيخ مصطفى عبد الرزاق يجلّ أستاذنا، ويبجله، ولا غرو، فالفضل يعرفه ذووه، ولما رأى شيخنا حرص شيخ الأزهر على الإفادة من توجيهاته كتب تقريرًا ضمنه ما يراه لإصلاح الأزهر، وإحياء علم الحديث الذي اندثر من "الديار المصرية" بعد أن كان فيها أشهر حفاظه.
ولكن موت الشيخ مصطفى في ربيع الأول سنة ١٣٦٦ هـ جعل هذا التقرير يحفظ ضمن المهملات التي يحفظ فيها كلّ مشروع نافع في "مصر".
ولا يزال التقرير موجودًا، ولعلّ شيخ الأزهر الحالي، وهو ممن يعرفون فضل شيخنا يعمل على بعثه والإفادة مما فيه، والله وليّ التوفيق.
في بيان مؤلّفاته وتقدماته وتعاليقه ومقالاته:
تنقسم مؤلّفات الأستاذ إلى قسمين رئيسيين، أولهما: ما ألّفه قبل هجرته من"الآستانة"، والثاني: ما ألّفه بعدها، والغالب على القسم الأول أنه