يقول الشاعر محمد إقبال: الهدف من العلم طهارة العقل والفهم والغرض من الفقر عفة القلب والنظر. اعتنى الشيخ المحدّث إلى جانب طهارة العقل والفهم بعفّة القلب والنظر، وكان له منذ طفولته اهتمام بالعبادة والرياضة، وكان أبوه قد أوصاه لا تكن عالما مجدبا عقيما، فقضى حياته جامعا بين الشريعة والطريقة، وكان الشيخ سيف الدين قد نفخ فيه تلك الروح من الحبّ الحقيقي، الذي أشعل الشوق في قلبه وكبده إلى آخر أيام حياته، كان في بداية عهده يقوم في الليل، ويقبل على العبادة، يقول: ومع الشوق والاشتغال باكتساب العلم والمذاكرة، وكنت أعني بالطفولة بكثرة الصلوات والأوراد وقيام الليل والمناجاة، فالشوق والذوق اللذان كانا يغلبانه في ذلك العهد في الدعاء، يتمتّع بذكرهما في كبره، يقول: لا أزال أستمتع باللذّة، التي كنت أنعم بها في الأسحار وأوقات العبادة.
وكان للشيخ المحدّث في ذلك العهد حرص كبير على صحبة المشايخ والاستفادة منهم، وكان مركزا لعناياتهم وألطافهم، من أجل عواطفه الدينية وإخلاصه، وكان الشيخ إسحاق المتوفى ٩٨٩ هـ شيخا كبيرا في الطريقة السهروردية، وكان قد هاجر من "ملتان" إلى "دهلي"، وأقام بها، وكان يديم السكوت، وقلما يكلّم أحدا، ولما حضره الشيخ المحدث اعتنى به، وأفضل عليه، وتحدّث مع الفقير طويلا.
[بعد إكمال مرحلة الطلب]
كان الشيخ المحدث قد انتهى من الطلب في سنّ مبكرة، ما الذي اشتغل به بعده إلى سنة ٩٩٦ هـ حينما ارتحل إلى الحرمين الشريفين؟ لا تلقي مؤلفاتُه ضوءا على ذلك، ويظهر من تصريحٍ لعبد الحميد اللاهوري أنه اشتغل بالإفادة والتدريس بعد التخرّج في العلم، أي قبل الخروج لحجّ بيت الله الحرام،