للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأيّ ورع يكون فيمن يقف ملجم اللسان من أجل سواد عيني الخطيب البغدادي (١)، أو إمام الحرمين (٢)، اللذين لم يتورّعا عن ذكر هذه المثالب القذرة التي لا تليق روايتها بحق عوام الناس وفسّاقهم، فكيف بالإمام الجليل الذي تواضع الناس على إجلاله واتّباعه جيلًا بعد جيل.

ويُعْذَر مضطرّ إذا ضاق ذَرْعه … فجرّدَ صَمْصَامًا به يتذَرّع.

فإنّ الذي تَعْيا به من حَمَاقَة … ستُقْنِعه حَتْمًا إذا تَتدرّع.

[زهده الفريد وعفافه النادر]

كان الكوثري في زهده مثلا حيّا لاسمه زاهد، وكان في عفافه مترفّعا عن الدنيا وعن أهلها إلى حدّ قد لا يتصوّر -ولا أستسيغ أن أذكر هنا بعض ما أعرف من نوادر عفافه، لأنه كان يستحيي من ذكرها، ويتأذّى من الكلام عن عسره- ولذا يكفيني والله سبحانه وتعالى يعلم صدقي أن أقول: إن المترجم كان على قلّة ذات يده، أعفّ من رأيت -وإذا كان التعفّف عن الدنيا في هذا الزمان أضحى متعسّرا على الميسورين، مستحيلًا في حقّ المملقين، فإن الله سبحانه وتعالى أراد خرق هذه الاستحالة، فأوجد لنا معسِرًا عفيفًا، هو الزاهد الكوثري.

ومن فضائله الجمّة عزوفه التامّ عن المماكسة، وقد كتب لي السيّد حسام الدين القدسي، يقول: ضمن كتابه عن الأستاذ لما لقيه عند قدومه


(١) هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الشهير بالخطيب البغدادي توفي في بغداد سنة ٤٦٣ هـ، وله تاريخ بغداد طبع بمصر في أربعة عشر مجلدا، وقع في الجزء الثالث عشر منه وقيعة بذئية في إمامنا أبي حنيفة رضي الله عنه.
(٢) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني المعروف بإمام الحرمين، له كتاب مغيث الخلق في ترجيح القول الحق، جرح فيه مذهب الأحناف تجريحًا كاذبًا سخيفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>