ملاحظات من وجوه شتى، ذكر شيخنا العثماني في كتابه "أصول الإفتاء وآدابه".
قال رحمه الله تعالى: لا بد للمفتي المقلّد أن يَعلم حال من يُفتي بقوله، ولا نعني بذلك معرفته باسمه ونسبه إلى بلد من البلاد، إذ لا يُسمن ذلك من جوع ولا يغني، بل نعني معرفته في الرِّواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة وافية في التمييز بين القائلين المتخالفين، وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين. فنقول وبالله التوفيق: اعلم أن الفقهاء على سبع طبقات:
الطبقة الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع، كالأئمة الأربعة، رضي الله عنهم، ومَنْ سلك مسلكَهم في تأسيس قواعد الأصول، واستنباط أحكام الفروع عن الأدلة الأربعة: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والقياس، على حسب تلك القواعد، من غير تقليد لأحدٍ، لا في الفروع، ولا في الأصول.
الطبقة الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب، كأبي يوسف، ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام عن الأدلة المذكورة على مقتضى القواعد، التي قرَّرها أستاذهم أبو حنيفة، وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يُقلّدونه في قواعد الأصول، وبه يمتازون عن المعارضين في المذهب، ويُفارقوهم، كالشافعي ونظرائه، المخالفين لأبي حنيفة في الأحكام، غير مقلّدين له في الأصول.
الطبقة الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل، التي لا رواية فيها عن أصحاب المذهب، كالخصّاف، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي الحسن الكرخي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، وفخر الدين قاضي خان، وأمثالهم؛ فإنهم لا يقدرون على المخالفة الإمام، لا في الأصول، ولا في الفروع، ولكنهم يستنبطون الأحكام في المسائل، التي لا نصَّ عنه فيها حسب أصول قرَّرها، ومقتضى قواعد بسطها.