فقال ما السبب الذي أشخصت من أجله، فقال: شاوروني في قاضي "الرقة"، فأشرت بك، وأردت بذلك أن الله عَزَّ وَجَلَّ قد بثّ علمنا هذا بـ"الكوفة" و"البصرة" وجميع المشرق، فأحببت أن تكون بهذه الناحية ليبث الله عَزَّ وَجَلَّ علمنا بك بها وبما بعدها من الشامات.
فقال له محمد: سبحان الله! أما كان لي في نفسي من المنزلة ما أخبر بالمعنى الذي من أجله أشخص قبل ذلك، فقال له أبو يوسف: هم أشخصوك، ثم أمره أبو يوسف بالركوب، فركبا جميعا، حتى دخلا على يحيى بن خالد بن برمك، فرفع يحيى أبا يوسف إلى جنبه، وقعد محمد دونه، فقال أبو يوسف ليحبى: هذا محمد، فشأنكم به، فلم يزل يحيى يخوف محمدا، حتى ولي قضاء "الرقة"، وكان ذلك سبب فساد الحال بين أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
[الجفوة بينهما والجواب عنها]
قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى: هذا هو سبب الجفوة الحادثة بينهما، وليس في ذلك شئ يلام عليه أحدهما، وأما ما ذكره السرخسي في أول "شرح السير الكبير"، فأسطورة علقت بذهنه في الصغر من أحد كتب السمر، وأملاها في الجب على تلاميذه، وهو بعيد عن كتبه، وفي الأسطورة نفسها ما ينقضها من نواح، لأن محمد بن الحسن لم يكن بـ"بغداد" إلى هذا الإشخاص، فلا يمكن أن يغار على كثرة جماعة محمد في العاصمة، ولا سيما أن الأستاذ لا يغار على نجاح تلميذه، بل يفخر به، وكان تعيينه لقضاء "الرقة"، وهى العاصمة الصيفية للخلفاء، وفي ذلك غاية التقريب منهم، لا لقضاء مصر، كما هو في الأسطورة، حتى يتصور قصد إقصائه من مجالس الخلفاء، إلى غير ذلك من وجوه، تدل على بطلان الأسطورة (١).