نقل شيخنا المحدّث الناقد الفقيه البارع العلامة عبد الرشيد النعماني رحمه الله تعالى في "تعليقه" على مقدمة "كتاب التعليم" حول ما ذكره السرخسي في "كتاب المبسوط" عبارة الإمام الكوثري من "بلوغ الأماني"، لا صحة لها مطلقا، ولا يذكرها إلا بعض الأخباريين، الذين يدوّنون الأقاصيص بدون سند، لمجرد التسلية، حتى لا يوجد شيء في هذا القبيل في كتب الخصوم قبل زمن السرخسي، وهم سراع إلى إذاعة مثلها، ولو كانوا ظفروا بها لطاروا بها فرحا، وأذاعوها، فلا شك في كذبها واختلاقها، هي الكذب من أيّ النواحي أتيتها.
فمثل أبي يوسف في جاهه العريض وعلمه الواسع ودينه المتين ووفرة التلاميذ وكثرة المؤلفات -و"كتاب الأمالي" له وحده في نحو ثلاثمائة جزء، كما يرويه أبو عاصم العامري-، كيف يحسد تلميذه في كثرة جماعته، بل يفتخر به.
ثم إن محمد بن الحسن كان بـ"الكوفة" إلى أن أشخصوه للقضاء، كما سبق، فكيف يرى أبو يوسف في "بغداد" كثرة المترددين إلى مجلس محمد، فيغيظه ذلك، ويحسده!
ثم كيف يريد إبعاده عن حاضرة الخلافة، وهو لم يكن بها، بل بـ"الكوفة"! ثم كيف يختلق عليه أبو يوسف مرضا لم يكن به! فهل بلغ بأبي يوسف الحمق إلى أن يعرض نفسه للافتضاح؟ بانتداب الرشيد طبيبا يداوي مرض محمد بن الحسن، وعدد الأطباء ببابه كثير؟ أفلم يذكر في القصة أن الرشيد كان أحبّه.
ثم هو لم يشخص لقضاء مصر، بل لقضاء "الرقة"، وهي عاصمة الصيف لخلفاء بني العبَّاس، وفي ذلك غاية القرب إلى مجالس الخلفاء.