ثم حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس سنة عشر من مهاجره، وهي التي يسمي الناس حجّة الوداع، وكان المسلمون يسمّونها حجّة الإسلام، قالوا: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ "المدينة" عشر سنين يضحي كل عام، ولا يحلق، ولا يقصر، ويغزو المغازي، ولا يحج، حتى كان في ذي القعدة سنة عشر من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجمع الخروج إلى الحج، وآذن الناس بذلك، فقدم "المدينة" بشر كثير يأتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته، ولم يحج غيرها منذ تُنُبِّئَ إلى أن توفاه الله، وكان ابن عباس يكره أن يقال: حجة الوداع، ويقول: حجّة الإسلام، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من "المدينة" مغتسلا متدهّنا مترجّلا متجرّدا في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين، وأخرج معه نساءَه كلَّهن في الهوادج، وأشعرَ هديَه، وقلَّده، ثم ركب ناقته، فلما استوى عليها بـ "البيداء" أحرم من يومه ذلك، وكان على هديه ناجية بن جندب الأسلمي، واختلف علينا فيما أهلَّ به، فأهل "المدينة" يقولون: أهلَّ بالحج مفردا، وفي رواية غيرهم أنه قرن مع حجته عمرة، وقال بعضهم: دخل "مكة" متمتّعا بعمرة، ثم أضاف إليها حجّة، وفي كل رواية.
[٨٣ - سرية أسامة بن زيد بن حارثة]
ثم سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل "أبنى"، وهي أرض السراة ناحية "البلقاء"، قالوا: لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد، فقال: سرْ إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولَّيتُك هذا الجيشَ، فأغر صباحا على أهل "أبنى"، وحرق عليهم، وأسرع السيرَ تسبق