كان أهمه كثيرا ما خطب له إلى بعض البنات في "ديوبند"، فلجأ إلى الشيخ إمداد الله، وجعل يشكو إليه ذلك الأمر، حتى رضى حضرة الشيخ بالزواج بأمر منه، على أن يكون هو غير مطالب بكسب العيش للإنفاق على الزوجة أو الأولاد ما دام حيا، وقبل أهلها ذلك مغلوبين على أمرهم، فعقد الزواج.
هذا في جانب، وفي جانب آخر نجده لا يتولى -إذا ما رضي بذلك- إلا وظائف قليلة الدخل، فيعمل كمصحّح في بعض المطابع يتقاضى راتبا، لا يتجاوز أربع روبيات أو ستا، وزاد الطين بلةً ما جبل عليه من المبالغة في القِرى والضيافة والسخاء، فلم تسمح نفسه بادّخار شيء يقدمه إلى أهله، ويزور والده في الوطن، فيتبعه أصحابه، وضيوفه إليه، وما أكثر ذلك، حتى شقّ على والده ذلك بحكم دخله الضئيل، فما كان من حضرة الشيخ إلا أن استاذن زوجته ببيع حليّها، وباعها، وأنفق ثمنها، وقد جبلب هذه السيّدة على الصمود والصبر، على شظف العيش، فعانت ما عانت لدى زوجها سعيا وراء إرضائه وإبقاء على إبائه وعزّة نفسه، فكان حضرة الشيخ يكنّ في صدره لها حبّا صادقا ومودّة، ويكثر من الثناء عليها، والشكر لها في أخريات أيام حياته.
[جوده وسخاؤه]
ثم أنعم الله عليه ما أنعم، ورزقه من فضله رزقا واسعا، فكان يقدم ما يكسبه من أموال إلى هذه الزوجة الأبية الصالحة، حفظها الله التي تعوّدت الجود والسخاء، وزادت "قرى" حضرة الشيخ رونقا وبهاء، فلا أعرف ضيفا نزل عليه في أيّة ساعة من ليل أو نهار إلا نال حظّه مما لذّ وطاب، ولم يستنكف حضرة الشيخ أن يعترف، وبكل صراحة بأن قراه يرجع فضله إلى والدة أحمد نجله الأكبر، وقال: إنها تسبقني في الإضافة والقرى.