فإن نشؤ الفقه الإسلامي في صدر الإسلام، لكنه شبّ وترعرع في العصر العبّاسي، بل إذا قلنا: إن العصر العباسي هو عصر الفقه والفقهاء فلا نخطئ في قولينا.
وقد شهد التاريخ أن البلاد الإسلامية قد شهدت عديدا من المدارس الفقهية منذ عصر الصحابة والتابعين، فقد انتشر العلماء والفقهاء في مختلف الأمصار الإسلامية لنشر العلوم والثقافة الإسلامية، فكانوا يعلّمون أهل بلده الكتاب والسنّة، وهم الذين كانوا يتعرّضون للنوازل والواقعات، ويبحثون عن حكمها في كتاب الله وسنة رسوله، وكانوا يحكمون بينهم في قضاياهم، ومن الطبيعى أن تختلف آراؤهم في مثل هذه الأمور، وبقى اختلافهم هذا ينتقل من جيل إلى جيل، حتى نشأت مدارس الفقه المختلفة: الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنبلية.
ثم كان الفقهاء والعلماء في الأجيال المتلاحقة قد احتاجوا في البحث وتمحيص مسائل الفقه والحديث إلى الإسناد، لتعذر تميز قوتها من سقيمها بدونه، ولذلك فقد نشأ علم الرجال وتدوين طبقات العلماء، فقاموا بتدوين تراجم الفقهاء، وألَّف الشيخ أبو عبد الرحمن هيثم بن عدي الثعالبي (المتوفى ٢٠٧ هـ) في ذلك "طبقات الفقهاء والمحدثين"، والشيخ عبد الملك بن حبيب المالكى (المتوفى ٢٣٨ هـ)"طبقات الفقهاء والتابعين"، كما ألَّف الشيخ محمد بن عبد الملك، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازى، وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، وآخرون في طبقات الفقهاء.