وحنينا إليها، فنحاها عقب عام مرة أخرى، وارتدّ على أثره قصصا، ولكن الحظّ لم يجاوبه في هذه المرة أيضًا، حيث اعتلّ، وساءت صحته، فنكص على عقبيه عن بلدة "ديوبند" بعد أن لبث بها بضعة شهور، وهو يعاني شقاء فادحا وبلاء جسيما. وقد استفاد أثناء هذه الفترة الوجيزة، واحتسى من بحار المعارف والحكم وفحول المحدّثين وأساطين الأدباء يومئذ. وممن احتظى الشيخ بالاستقاء من منهل علومه والانتقاء من غرر أفكاره ودرر أقواله إمام العصر خاتمة المحدثين الألمعي اللوذعي قليل المثيل أنور الشاه الكشميري.
[الطالب المثالي]
لقد ظهرت فيه مخايل النجابة منذ نعومة أظفاره، حيث كان الشيخ أبان دراسته بمثل الآداب السامية والمثل العليا التي رفعته مكانا عليا، وتعالى بها قدره بين أترابه ولداته، واستهوى بها أفئدة الذين حوله من الأساتذة والزملاء، وغدا أسوة حسنة، ومثلا يحتذي به.
علوّ كعبه في الفنون:
وقد تبحّر الشيخ، وبرع في صنوف الفنون وضروب العلوم: من الحديث والتفسير والفلسفة والفقه، لا سيّما المعقولات، وحينما كل إليه تدريس موادّ المنطق قال: لو ضاع كتب المنطق كلّها تسنى لي إنشاؤها من جديد.
وبراعته النادرة في اللغة العربية والفارسية والأردية، وتمهّره في علم العروض مما تدع الحليم حيران، وتحار فيه الأفهام، وتضلّ عقول الأنام، وكان من نوابغ الأدباء، وفحول الشعراء والراسخين في الفقه، قليل المثيل في أيام دهره، وجاءت فتاواه سديدة صائبة وفق قواعد الشرع، وقبلها القلوب الواعية والعقول السليمة، ودان لها رقاب علماء عصره الكبار، وأفذاذ دهره العظام.