العين منه رؤيةً ونظرا، يتحلّى بإباء وشَمَم ورجولة كاملة، وحَصَافة وافرة، وإذا دعت الحاجة إلى الوقوف في وجه باطل أو مبطل كان موقفه أثبت من الجبل الراسى في نصرة الحقّ ودفع معاديه.
وكان إلى هذه الشكيمة القوية لين الجانب لطلبة العلم بخاصة والناس بعامة، بعيدا عن التكلّف، محبّا للبساطة، سخيا سَمحا، حافظا للصداقات وحقوقها، وكانت مجالسه تعلّم الفقهَ أولا، والأدبَ ثانيا، أدب الخطاب وأدب النِّقاش، وأدب المجالس الخاصّة والعامّة، وكانت تدور فيها الفوائد العلمية من كلّ جانب، والنكت اللطيفة المعلِّمة.
ولم يزل منهلا عذبا، يستقي منه المستفيدون، ويستفتيه السائلون والمراجعون، ويقصَد في حلّ معضِلات المسائل العلمية، من الجهات البعيدة والقريبة، حتى وافاه الأجل في مدينة "حلب"، وانتقل إلى جوار الله تعالى في صيف سنة ١٣٥٧ هـ، رحمه الله تعالى، وأسبغ عليه الرحمة والرضوان.
وكانت الفاجعة به كبيرة، والأسف عليه شديدا، واللَّوْعة به عامة، والفراغ بفقده واسعا، والثناء عليه طيّبا كثيرا.
فمضى وقد أبقى مآثره + ومن الرجال معمَّر الذكر.
[تلامذته وآثاره]
كانتْ جهوده رحمه الله تعالى متوجّهة إلى التعليم والتفقيه، أكثر منها إلى التدوين والتأليف، فكان وقته مملوءا بإفادة الطَّلبة، وتحقيق المسائل العويصة، وإلقاء الدروس، ونشر العلم في الناس، فكان درسه في الجامع الكبير بـ "حلب" خاصة: مقصودا للعامة والخاصة على السواء، يحضره الجمّ الغفير منهم، ويتلقّون منها الفقه والعلم، والتعريف التام بالحلال والحرام من العبادات والمعاملات بفهم وبصيرة.