رجع كثير منهم عن بغضه إلى محبته، وإلى القول الحسن فيه بعد ما كانوا عليه من القول السيئ فيه، وكان زفر قد خلف أبا حنيفة في حلقته إذ مات، ثم خلف بعده أبو يوسف، ثم بعدهما محمد بن الحسن، ومات زفر سنة ثمان وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وأربعين سنة.
ويخدش في دعوى توليه قضاء "البصرة" استمرار قضاء سوار بن عبد الله العنبري بـ "البصرة" من سنة ١٣٨ هـ إلى وفاته في ذي القعدة سنة ١٥٦ هـ كما يقول ابن حبان، وتولى ابنه عبد الله بن سوار قضاء "البصرة" بعد وفاة أبيه، فيكون القرشي وابن عبد البر واهمين في ذلك، وكان لزفر قرابة بـ "البصرة"، فزارهم في عهد عثمان البتي، المتوفى سنة ١٤٣ هـ، فجرى بينهما ما سبق ذكره بأسانيده. ثم رحل إلى "البصرة" بمناسبة وفاة أخيه بعد وفاة أبي حنيفة، فتمسّك أهل "البصرة" به، فأقام هناك ينشر العلم إلى أن مات بـ "البصرة"، وسبق بيان مبلغ ما أوذي به بسبب امتناعه عن قبول القضاء، -رحمه الله وأرضاه-. ولابن عبد البر بعض أغلاط في تراجم المشارقة.
[وفاة زفر في البصرة وكلام أهل العلم في زهده في الدنيا]
سبق بيان سبب اتصال زفر بأبي حنيفة وملازمته لمجلسه أكثر من عشرين سنة، وقد روى الصيمري عن عبد الله بن محمد الشاهد عن مكرم عن أحمد بن محمد عن مليح بن وكيع عن أبيه، قال: لما مات أبو حنيفة أقبل الناس على زفر، فما كان يأتي أبا يوسف إلا نفر يسير، النفسان والثلاثة. وكان زفر يكنى بأبي خالد، وبأبي الهذيل، وكان من أهل "أصبهان"، ومات أخوه، فتزوّج بعده بامرأة أخيه، فلمّا احتضر دخل عليه أبو يوسف وغيره، فقالوا له: ألا توصي يا أبا الهذيل! فقال: هذا المتاع الذي ترونه لهذه المرأة، وهذه الثلاثة